هل قرأت يومًا ديوان محمد الباري «الأهلة»؟ يفتتح عبد الباري الديوان بإهداء يقول فيه «إليك أنت أيها القارئ: افتتاننًا بك، إذ ينهار العالم وأنت تبحث عن قصيدة».
اتفهم كلمات عبد الباري الآن، أكثر من أي وقتٍ مضى، شخصيًا أرى أن العالم ينهار، فلا يوجد شيء يبشر بالخير أو يدعوا للتفاؤل على جميع الأصعدة، سياسيًا، اقتصاديًا، بيئيًا، أو بتعبير مارك مانسون البليغ «Everything is F*cked»، لذلك وجدت أن أفضل طريقة للتعامل مع هذا الواقع هو العيش في فقاعة، أعلم أن هذا التعبير «العيش في فقاعة» له دلالة سلبية تشير إلى العزلة في عالم حالم/وردي/وهمي بعيد عن الواقع، لكني أرى أن العيش في فقاعة وسيلة نجاة ناجحة وضرورية، ألا تعتقد ذلك؟ أقول وسيلة نجاة لأنني وكثيرون مثلي نحتاج إلى قوة تجعلنا ننهض من السرير كل يوم ونندفع إلى الحياة، كيف سأتمكن من فعل ذلك إن استولت علي فكرة انهيار العالم هذه! لذلك، المجد للفقاعة!
ولأنني في هذه اللحظة أكتب وأنا في مزاج يتسم بالكآبة، يروق لي أن أقوم بالتبشير لهذه الفكرة – أطلق عليها “الفقاعيزم” إن شئت – والتي وإن بدت لوهلة أنها أسلوب للهروب من الواقع، إلا أنها في جوهرها هروب من هذا الهروب، لذلك، إليك دليل مختصر عن العيش في فقاعة وما الذي يعنيه ذلك:
١) أن تنعزل وراء جدار غير عازل
أن تضع نفسك في فقاعة يعني أن تختار أن تعزل نفسك عن محيط/مؤثرات معينة، على سبيل المثال، شخصيًا توقفت عن متابعة الأخبار منذ ٢٠١٤، تحديدًا، والسبب وراء ذلك هو أنني أردت أن أنعزل بعيدًا عن كل ما يستنزفني مشاعريًا ولا أستطيع فعل أي شيء حياله، لكن شئنا أم أبينا، جدار الفقاعة شفاف، فحتى إن اخترت العزلة في عالمك الخاص، فلا زلت تشهد ما يحدث خارجه من بعيد، لكن الفرق هنا هو أنه بمقدورك التحكم بما هو جدير أن يدخل عالمك أو يبقى خارجه، على عكس الحال الذي تكون فيه خارج الفقاعة، فأنت بالضرورة منخرط ومستنزَف من قبل ما يستحق وما لا يستحق.
٢) أن تحارب من أجل الحفاظ على فقاعتك من أن تفقع
من قال إن العيش داخل فقاعة أمر سهل! بالعكس تمامًا، جدار الفقاعة هش جدًا، لذلك الحفاظ على هذا العالم الداخلي يتطلب المثابرة والجهد، كأن يقرر شخص ما يوميًا أن يسعى في يومه بكل ما أوتي من قوة بالرغم من كل المحبطات التي تشده إلى أسفل، صدقني، من يستطيع أن يفعل ذلك كل يوم فهو شخص عظيم! أنا عن نفسي، أشك في نفسي وفي مقدرتي على فعل ذلك يوميًا. أيضًا، الحفاظ على فقاعتك يتطلب الجهد الكثير للتعامل مع الهراء المجتمعي، إن كنت تتابع كتاباتي منذ فترة ستعلم أني أتحدث عن هذا الأمر كثيرًا لذلك لن أسهب فيه، لكن بيت القصيد أن الكثير ممن هم على الطرف الآخر من الفقاعة سيحاولون بشتى الطرق أن يشدوك إلى خارجها حتى في أبسط الأمور، على سبيل المثال، حذفت تطبيق انستقرام منذ حوالي ٧ شهور، وحتى هذا اليوم لازلت اسمع العديد من التعليقات (التأنيبية في الغالب) عن كيف أنني أفوت على نفسي الكثير من الفرص، والأخبار، والفعاليات، والأمور والقصص الجديدة، والفائدة التي من شأنها تنمية فكري ومهاراتي وجعلي شخص أفضل، ناهيك تفويتي لفرص التواصل مع الأصدقاء…إلخ، كيف يكون ردي على هذه التعليقات عادة؟ الوجه أدناه
٣) ألا تموت قبل أن تموت
حسنًا، أنا أتحدث عن الفقاعة وكأنها حصن منيع، لكنها في الحقيقة ليست كذلك، نعم هي محاولة جادة للتحصن، لكنها تبقى محاولة واجتهاد، هناك الكثير من الأمور المخيفة – بل المرعبة – التي تتمكن منا مهما حاولنا التعايش مع حقيقة وجودها، مثل الحرب، الموت، الفقد، الخذلان…إلخ، لكن لأن هذه تجارب بشرية موجودة لا محالة لا يعني ذلك أن علينا نعاني منها قبل أن نعيشها! بمعنى آخر، أعتقد أننا في أحيان كثيرة عندما نعلم أن أمرًا سيئًا سيحدث في نهاية المطاف، لنقل في نهاية السنة على سبيل المثال، فإننا نستسلم في اليوم الأول! لأننا نيأس ونعتقد أنه لا توجد جدوى مهما فعلنا، هذا ما أسميه الموت قبل الموت، إذا كنا سنموت في ذي الحجة، لماذا علينا أن نبدأ في الاحتضار في محرم! لدينا ١١ شهر يمكننا استغلالها جيدًا، بالطبع التطبيق على أرض الواقع في غاية الصعوبة، بل قد لا يبدو منطقيًا، لكن هنا تأتي ميزة العيش في فقاعة التي ستجعلنا نركز على استغلال الـ ١١ شهر لأنها أصبحت ضمن عالمنا الداخلي الذي نستطيع التحكم به، في الحقيقية أكثر ما يعزيني في هذا السياق حديث الحبيب على الصلاة والسلام: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل». نعم، هي المحاولة لآخر رمق، لآخر لحظة ممكنة، وإن كان الكون كله حرفيًا ينهار من حولك..
–انتهى–
مصدر الصورة” dubatravelblog.com
انضم إلى قائمة القرّاء الرهيبين حتى تصلك مقالات مثيرة من هذه الغرفة الصغيرة!
يا الله ما أجمل هذه الفقاعة، وما أجمل التعبير عندما يحاول الآخرون الإستهزاء بنا بسبب أنا لا نسير مع التيار وأقصد هنا عدم المسير خلف أهواء الفيسبوك والإنستجرام وكل هذه التطبيقات التي لا تزيدك إلا ضغط نفسي وتعب داخلي.
.
شكراً لروعة حروفك
شكرًا لك حسين
شرح وافي كنت أدور عن شرح لكلامي بطريقه يفهمونها البعض، و أنا أعيش داخل فقاعتي بقليل من الخذلان.
شكرًا جزيلًا
بعد قراءة هذا الدليل أشعر أنني أفعل ذلك في حياتي أيضًا، إلا أنني غالبًا أشعر بالتفاؤل ! 🙂
أعتقد أنني أعاني من قضية “الموت قبل الموت” لكنني أحاول علاجها شيئًا فشيئًا
أتمنى أن تعود معنوياتك للارتفاع بعض الشيء
وكالعادة شكرًا جزيلًا🌸
شكرًا لك يا جميلة، نعم أن في حال أفضل الآن الحمد لله..وأتفق معك “الموت قبل الموت” هي حالة معقدة يصعب التخلص منها