كيف نجعل مساحتنا المادية تعمل لصالح مساحتنا النفسية؟ ٦ خطوات للانتصار على التكديس

إن كنت من محبي الاستقصاء في مسألة البيضة والدجاجة، فدعني أسألك: هل المساحة المادية الخارجية تؤثر في نفسيتنا؟ أم أن الحالة النفسية الداخلية هي التي تشكل المساحة المادية الخارجية؟

عندما أشعر ب”لخبطة” نفسية، من أوائل الأمور التي أقوم بها هي أن أقوم بترتيب غرفتي أو مكتبتي، وسرعان ما أجد ذلك ينعكس بشكل إيجابي على حالتي النفسية وصفائي الذهني، بالرغم من أني أعلم جيدًا أن الغرفة لم تصبح في حالة يرِثى لها إلا لأني أمر بحالة غير جيدة ابتداءً! لذلك، سؤال من يأتي أولًا: الخارجي أم الداخلي؟ لا يهمني كثيرًا، فلا شك أن هناك علاقة عميقة وطردية بين الاثنين، والبدء بأي من الطرفين سيؤدي إلى تحسين الآخر. 

لكن ماذا يعني “تحسين” المساحة المادية الخارجية؟ بشكل عام، أن تكون مساحتك الشخصية (كغرفتك، منزلك، مكتبك…إلخ) تخدم رؤيتك وأهدافك الشخصية، أو بتعبير آخر: كل بقعة فيها وكل غرض موجود بها له غاية ويضيف إليك قيمة حقيقية؛ لا يوجد تكديس للأغراض، أو اقتناء عشوائي للأشياء، وكل شيء منظم بطريقة تسهل عليك حياتك وتساعدك على أن تكون شخص أفضل. 

عندما نعمل على تحسين مساحتنا المادية الخارجية تتحسن عوالمنا الداخلية، والعكس صحيح، وأنا هنا استخدم مصطلح “عوالم داخلية” لأن الموضوع أكثر تعقيدًا من مجرد شعور براحة نفسية وصفاء ذهني، بل قد يمتد الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك، مثلاً تحسين مساحتك المادية الخارجية قد يتطلب منك التخلي والتخفف وضبط هوس جمع المقتنيات، وفي ذلك الكثير من التهذيب للإنسان على المستوى الروحي، وقد تُفضي بالشخص إلى أن يعيد النظر في قناعاته بل وفي وجوده ككل، في مقال «غرفة رابعة العدوية» تحدثت بإسهاب عن الجانب الروحي في العلاقة مع المساحة المادية الخارجية.

في هذا المقال سأركز على الغرف الشخصية بما فيها من مقتنيات وملابس، وسأشاركك ٦ خطوات ساعدتني خلال الثلاث سنوات الماضية على تحسين مساحتي المادية (غرفتي)، وهذه الخطوات قابلة أيضا للتطبيق على مساحات مادية أخرى.

١) ابدأ باللماذا قبل الكيف 

قبل أن نقفز إلى الكيفية من الأفضل أن نفكر أولاً لماذا نريد أن نحسن، أن نبحث في أعماقنا عن الدوافع لهذا الفعل، وأنا أشدد كثيرًا على هذه النقطة لأني أشعر أننا أصبحنا في عصر نقوم فيه بأشياء فقط لأن الآخرين -خصوصًا ممن نتابعهم على شبكات التواصل الاجتماعي- يقومون بها، أو لأنها تبدو موضة أو كوول! أو أننا نسعى إلى أن نحصل على مكانة/صورة مميزة بين الناس، وبطبيعة الحال، التغيير الحقيقي والمستمر لا ينبع من هبّات عشوائية أو عمل “عمياني”، بل من قناعات داخلية واضحة ومتماسكة.

قبل أن تبدأ مشروع تحسين مساحتك المادية الخارجية، اكتب في جوالك أو ورقة، لماذا تريد فعل ذلك؛ ماهي دوافعك وتطلعاتك

وسؤال اللماذا هذا يستمر، أي في كل مرة نريد أن نشتري فيها شيئًا ما سواء للاستخدام الشخصي أو كغرض يضاف إلى مساحتنا المادية، علينا أن نتساءل قبل أن نقتنيه: لماذا أريد شراؤه؟ ولنتأمل ما إذا كان السبب فعلاً مقنع.

شخصيًا سؤال اللماذا ساعدني حتى في أصغر الأمور، مثلاً عندما انتقلنا من بيت قديم لآخر جديد، أتذكر أن عائلتي اقتنت قطع أثاث جديدة للمنزل، أما أنا فسألت نفسي «لماذا أريد أن أشتري أثاث غرفة نوم جديد؟»، واكتشفت أنني حقًا لا أحتاج إلى أثاث جديد بل لا أحتاج إلى أثاث أصلاً، كل ما أريده بضع قطع تؤدي أغراض معينة، مثلاً لا أريد تسريحة كاملة كهذه:

كل ما أريده هو مرآة بطولي ودرجان صغيران لوضع الأغراض الشخصية فقط، فحصلت على هذا: 

طبعًا لكن منا احتياجاته، فما يتوافق مع احتياجاتي قد لا يناسبك أنت والعكس، لكن الفكرة هنا أن كل ما نقتنيه/نشتريه لا بد أن يكون نابعًا من وعي بالغاية أو القيمة المضافة من وجوده، وهنا تأتي فائدة سؤال اللماذا، قد يبدو هذا الأمر بسيطاً، لكن عند التطبيق هو في غاية الصعوبة لسببين رئيسيين: ١) ثقافة الاستهلاكية المتجذرة في الوعي الجمعي، ٢) لأننا في كثير من الأحيان لم نتعود على مواجهة أنفسنا والبحث في دوافعنا الحقيقية وراء سلوكنا، بدلاً عن ذلك، نلجأ إلى اختلاق الأعذار التي نوهم بها عقولنا، خصوصًا إن كنا شرهين في الشراء والاقتناء والجمع، والذي قد يكون نتيجة الشعور بفراغ روحي أو عاطفي، أو رغبة في جذب انتباه الناس وحبهم/تقديرهم، أو لمجرد أن هذا ما وجدنا عليه آباءنا… 

خذ لفة على مقتنياتك، واسأل نفسك لماذا أقتني هذا الغرض، هل فعلاً “احتاجه”؟ هل يضيف لي ولحياتي أي قيمة ومعنى؟ إذا كانت الإجابة لا، تخلّ عنه.

٢) فعّل قانون نيوتن 

تعلمنا في دروس الفيزياء قانون نيوتن القائل بأن لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه، يلهمني هذا القانون لاتباع طريقة ساعدتني على تحسين مساحتي المادية والقضاء على التكديس، وهي أنه في كل مرة أشتري فيها غرض معين من جنس ما، علي أن أتخلى عن غرض آخر من نفس الجنس، مثلاً إذا اشتريت حذاء جديد لابد أن أتخلى عن أحد أحذيتي، إذا اقتنيت سلسة جديدة لابد أن أتخلى عن سلسلة في المقابل، وبهذا يمكن للشخص أن يجدد لكن دون جمع وتكديس، الذي يحدث عادة أننا نشتري مثلاً ٧ قطع جديدة ونخرج ٣ في المقابل بشكل عشوائي، ثم نشتري ٥ قطع جديدة ونخرج ٢ في المقابل، فتكون النتيجة أن ما نشتريه يفوق حجم ما نتخلى عنه، وبالتالي ننمي جبال من الأغراض والملابس التي لا نستخدمها كلها في الغالب. 

٣) استرجع ثقافة “علبة الماكنتوش” 

إن كنت من جيل التسعينيات أو الثمانينيات، فدعني استرجع معك هذه الذكرى المؤلمة، كم مرة رأيت في طفولتك علبة الماكنتوش، فيمتلأ قلبك بالسعادة وعيناك بدموع الفرح، تحملك أشواقك إلى العلبة وفي ذهنك كل الأحلام الجميلة عما إذا كنت ستأخذ القطعة البنفسجية أو الخضراء أو ربما الاثنتان! وعندما تفتح العلبة، تكتشف أن الوالدة حفظها الله قررت أن تملأ العلبة بأدوات الخياطة! صدقني اتفهم جرحك العميق عزيزي القارئ، لكن دعنا ننظر للجانب المشرق، فثقافة إعادة التدوير أمر عبقري، وهو ما نحتاجه بالضبط لتحسين مساحتنا المادية، لكن إعادة التدوير لا تقتصر على مجرد استخدام علب الحلويات أو الأحذية لتخزين الأشياء، بل هناك الكثير مما يمكن فعله، مثلاً الملابس يمكن إعادة تدويرها بأن يستعمل قماشها في صنع ملابس أخرى، لدي صديقة أخذت قماش فستان قديم وصنعت منه عباءة جديدة.

في حالتي قمت بتحويل جزء من خزانة الملابس إلى مكتبة، وفي الحقيقة قمت بذلك لسببين: الأول هو أنني لم أرد إحضار خزانة/رفوف للكتب تشغل حيزًا من الفراغ، أما الثاني لأنني أعلم يقينًا أنه إن لم أملأ هذا الجزء من خزانة الملابس بالكتب فسيمتلئ حتمًا بالمزيد من الملابس وهذا يأخذنا إلى الخطوة الرابعة.

٤) انتبه من استدراج الأدراج!

في اللحظة التي تقتني فيها أدراج وخزانات، اعلم أنها ستغويك لتعبئتها بأغراض لا تحتاجها غالبًا، بكل بساطة إذا كنت لا تريد تكديس الأغراض، لا توفر مساحة للتخزين من الأساس، شخصيًا ليس لدي خزانات ولا أدراج كثيرة لوضع الأشياء، لذلك حتى عندما أريد أن أشتري أغراض جديدة أجد نفسي في ورطة «أين سأضعها؟!» وبالتالي أجد نفسي مجبرة على ألا أشتريها أو أشتريها ولكن أتخلى عن بعض ما أمتلكه حتى أجد مساحة لوضع الغرض الجديد، صدقني هذه الخدعة الصغيرة تحل أزمات تكديس كبيرة! 

٥) ضع مؤشراتك الخاصة بك

حسنًا لنقل أنك أحرزت تقدمًا كبيراً في مشروع تحسين مساحتك المادية الخارجية، هناك احتمال أن ترجع الأمور إلى ما كانت عليه من تكديس و “لخبطة” مع الوقت وهذا أمر طبيعي، لذا من المهم أن تضع مؤشرات تساعدك على الانتباه إلى ما يجب فعله. 

من تجربتي، إن كان هنالك غرض أو قطعة ملابس لم استخدمها خلال ٣ شهور، فهذا مؤشر أني لا احتاجها، فأتخلى عنها، طبعًا هناك استثناءات (كالقطع التي تستخدم في المناسبات الخاصة مثلاً الأعراس وهي مناسبة لا تكرر بشكل شهري)، مؤشر آخر اتبعه هو المساحة البيضاء الموجودة داخل خزانة ملابسي، إن كنت أستطيع أن أرى هذه المساحة فهذا أمر جيد، فذلك يعني أن “الأمور تحت السيطرة”، وإن لم أستطع، فهذا يعني أنني عدت إلى تكديس الملابس. 

٦) اعطِ لحظات الوداع الوقت الكافي

هناك مشاعر غريبة تربطنا بممتلكاتنا لذلك عملية التخلي ليست دائمًا بالأمر السهل، شخصيًا عندما أرى قطعة أعلم أني لا أحتاجها لكنه يصعب علي التخلي عنها، أخرجها من مكانها (مثلاً الخزانة)، وأضعها في مكان أمامي بحيث أستطيع مشاهدتها كل يوم لفترة معينة، في كل مرة أنظر إلى هذه القطعة، أتذكر أني فعلاً لا احتاجها/استخدمها، وكيف أنها قد تجلب الكثير من السعادة لشخص آخر يحتاجها حقًا، هذه العملية تساعدني على إنهاء التعلق بهذه القطعة، لكني لا أستعجل إن كانت تربطني بها مشاعر قوية، بل أترك الوقت لنفسي لتستسيغ فكرة هذا التخلي..قد يبدو الأمر دراميًا، لكنه حقيقي.

أخيرًا، عملية تحسين المساحة الخارجية فرصة لأن يلتفت انتباهك إلى أسئلة من نوع «لماذا أقوم بذلك؟»، أو «هل حقًا هذا ما أريد؟»، أو «من قال إنه علينا فعل كذا؟»، فإعادة ترتيب المساحة الخارجية هو جزء لا يتجزأ من إعادة ترتيب المساحة الداخلية النفسية والروحية.  

–انتهى–

إن كنت مهتمًا بالموضوع، إليك مصادر إضافية رهيبة!

١- خدمات «تبسيط» والتي تقدمها الرائعة أماني أبو داوود، تشتمل الخدمات على تنظيم وإعادة ترتيب للمنازل والشركات والمؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى تقديم الاستشارات وخدمات الشراء نيابة عن العميل، التفاصيل مذكورة في الموقع tabseet.me

٢- بناء دولاب الكبسولة، ومن أفضل من تحدث عنه مستشارة ومدربة المظهر العام فِنان تيكلاي، تفاصيل خدمات بناء دولاب الكبسولة والدورات الإلكترونية ذات الصلة موجودة في موقع fnan.co

انضم إلى قائمة القرّاء الرهيبين حتى تصلك مقالات مثيرة من هذه الغرفة الصغيرة!

ردّين على “كيف نجعل مساحتنا المادية تعمل لصالح مساحتنا النفسية؟ ٦ خطوات للانتصار على التكديس”

  1. أهلًا، أتساءل لو سبق واطلعتِ على كتاب “سحر الترتيب” لماري كوندو من قبل؟
    أفكارها تتمحورحول النقاط ذاتها، كتاب مثير للاهتمام -بالتغاضي عن كوني لم أكمله بعد-
    ألقِ نظرة عليه إن أحببت 3:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *