في ٢٠٠٣ نشرت المراسلة شايلا دِوان مقالاً على صحيفة النيويورك تايمز بعنوان «بعد الحرب: أمينة المكتبة»، حيث روت قصة أمينة المكتبة العراقية علياء محمد باقر ذات الخمسين عام، التي أنقذت بمجهودها الشخصي حوالى ١٥ إلى٢٠ ألف كتاب من حادثة حرق مكتبة البصرة المركزية إبان اجتياح القوات البريطانية للمدينة.
أحدث مقال شايلا أصداء واسعة آنذاك لتسليطها الضوء على نوع من القصص غير الشائع في الإعلام الغربي خصوصًا أثناء اجتياح القوات الأمريكية والبريطانية للعراق، وقد شكل هذا المقال مصدر إلهام للكثيرين، وعلى رأسهم الرسام الأمريكي مارك آلان ستامتي والذي أصدر كتاب كوميك للناشئة بعنوان «مهمة السيدة عالية» والذي قامت دار البلسم بنشره باللغة العربية، بالإضافة إلى الرسامة ومؤلفة كتب الأطفال جانيت وينتر التي أصدرت كتاب «المرأة التي أنقذت مكتبة البصرة» المترجم والمنشور من قبل دار هاشيت أنطوان.
في هذا المقال سأتحدث بالتفصيل عن كتاب جانيت وينتر من ناحية القصة والمفاهيم، والنص، والرسومات.
القصة
حسنًا، القصة في هذا الكتاب تختلف عن القصص التي تحدثت عنها سابقًا في المدونة (انظر مقال الرحلة، أو أسفل الشجرة)، فهي تكاد تخلو من الرمزية والخيال، وتعتمد بشكل أساسي على سرد أحداث واقعية، مع ذلك القصة ممتعة وتستدعي الإثارة والتفاعل الوجداني.
تبدأ القصة بمشهد المكتبة الثقافي الذي يضم محبي الكتب والمهتمين بمناقشة أمور الفكر وشؤون العالم، ثم تعرض كيف أن الحرب أصبحت حديث الناس الوحيد، حتى بدأت عالية تخاف أن تقضي الحرب على مكتبتها التي احتوت على مخطوطات ومجلدات قديمة يعود تاريخها إلى ما قبل ٧ قرون، تواصلت عالية مع محافظ المدينة لنقل الكتب إلى مكان آمن لكنه رفض طلبها، فتمردت على قراره وقررت أن تنقذ الكتب بنفسها سرًا بمساعدة بعض الأصدقاء، وهذا تمامًا ما تركز عليه قصة الكتاب: مغامرة إنقاذ الكتب.
لكن القصة لا تقتصر على الاحتفاء بعالية كبطلة، بل تمتد إلى الإشارة إلى مأساة فقدان الإرث المعرفي الإنساني المتمثل في هذه الكتب، وعن العلاقة المدهشة التي قد تربط الإنسان بهذا الإرث، وارتباط السلام بفكرة إنقاذ هذا الإرث المعرفي الجمعي، فينتهي الكتاب وعالية تفكر بالسلام، وتنتظر، وتنتظر، وتنتظر ذلك اليوم الذي تنتهي فيه الحرب وتعود بكتبها إلى مكتبة جديدة يتجمع فيها محبو الكتب لمناقشة أمور الفكر وشؤون العالم…
بعض الحقائق: ابتداءً خافت عالية على الكتب من السرقة بعدما دخلت القوات البريطانية البصرة وبعد ما اتخذت حكومة النظام السابق المكتبة كمقر لبعض الدوائر الحكومية، لكن عالية لم تتوقع أن تقصف وتحترق المكتبة بالكامل بعد ٩ أيام فقط من دخول القوات. وقد أصيبت عالية بجلطة من حزنها على حوالي ٢٥ ألف كتاب قد تحولوا إلى رماد كما أشارت بعض التقارير.
النص
تفتتح جانيت قصتها باقتباس لعالية نشر في مقال النيويورك تايمز، وكأنها بهذا الاقتباس تهيأ عقلية القارئ للمنظومة القيمية التي تنطلق منها عالية، أو تؤسس لفكرة أن هؤلاء الناس (أهل العراق) يأتون من خلفية يتجذر الاهتمام بالمعرفة فيها، أحب هذا في كتب جانيت بشكل عام، فهي عادة ما تتناول شخصيات (أبطال) من ثقافات متنوعة غير غربية، وتحاول أن تظهر الثراء المعرفي وجمال تلك الثقافات بأصالتها التي تميزها.
النص يُروى من وجهة نظر راوي خارجي، شخصيًا لا أحبذ هذا النوع؛ أفضل أن تروى القصة من وجهة نظر أحد الشخصيات، أيضًا لا توجد حوارات بين الشخصيات وهو أمر آخر أجده يقلل من عمق النص، ففي الحوارات مساحة كبيرة لطرح تساؤلات تدعو إلى التفكر.
بشكل عام النص بسيط ومباشر، لم أجد به أي جمالية؛ فقط يؤدي غرض سرد قصة عالية ومكتبتها، إلا أنني أحببت النهاية المفتوحة المتمثلة في جمل كهذه «وبانتظار ذلك اليوم السعيد، ستبقى الكتب بأمان…بحماية أمينة مكتبة البصرة»
الرسومات
كما أن القصة والنص واقعيين، فكذلك كانت الرسومات، الرسومات في هذا الكتاب أدت وظيفة ترجمة النص، شخصيًا لا أميل إلى هذا التوجه في استخدام الرسومات في كتب الأطفال، أعتقد أن العلاقة بين النص والرسومات أكثر عمقًا وتعقيدًا، لا بد أن تقول الرسومات ما لا يقوله النص والعكس، أيضًا في هذا الكتاب تستخدم جانيت أسلوبًا قديمًا في تركيب الرسومات على النص وهو استخدام خلفية بلون معين وداخله إطار يحمل الصورة ومن تحته يكتب النص، لكنها -الحمد لله!- تخلت عن هذا الأسلوب في كتبها اللاحقة.
لكني أحببت الألوان التي استخدمتها كثيرًا، فهي نابضة بالحياة ومتماشية مع طبيعة أحداث القصة
أخيرًا، أنا ممتنة لكل من نقل إلينا قصة عالية، من شايلا، المراسلة الأولى التي عرّفت العالم على عالية، إلى المؤلفَين مارك آلان وجانيت وينتر اللذان ساهما في نشر قصة عالية بأعمالهما، لكني لا أستطيع تجاهل شعور داخلي فيه بعض الحزن، وربما بعض الحسرة، أعني لو لم تظهر قصة عالية في الأوساط الغربية، هل كنا سنعرف عنها في العالم العربي؟ لا أعلم…
عمومًا أنا متفائلة جدًا بجميع الجهود العربية التي بدأت بمحاولات جادة في إعادة تشكيل نظرتنا نحن العرب والمسلمين إلى أنفسنا من خلال الغوص في قصص مجتمعاتنا واستقصاء مواطن الإبداع والإلهام بدلاً من اجترار قصص المجتمعات الغربية ذات السياق المختلف، بل والمنظومة القيمية المختلفة.
–انتهى–
مراجع
- مقال صحيفة النيويورك تايمز لشيلا دِوان «AFTER THE WAR: THE LIBRARIAN; Books Spirited to Safety Before Iraq Library Fire»، نشر في ٢٠٠٣
- مقال صحيفة النيويورك تايمز لإدن روس ليبسون «The Librarian as an Iraqi Hero»، نشر في ٢٠٠٥
- تقرير سكاي نيوز المصور «عالية باقر..بطلة الثقافة العراقية» نشر في ٢٠١٣
- مقال «كتاب عن منقذة الكتب في البصرة.. يعرفه العالم إلّا العراق!» نشر في ٢٠١٨
بعد قراءتي لمقال “هل تنقذ الكتب من الموت؟”
نمت مشاعر داخلي لم يسعفها قصر المقال ليكتمل نموها عشان استوعبها واعرف ايش هيا واعطيها مساحتها
فقررت احاول افرغها هنا واعطيها مساحتها عشان تنمو وتكون واضحة
جدًا يزعل انو قصة عريقة عربية ملهمة زي هاذي عرفناها من مجهود غربي غير عربي
والمحزن هو غيرها من القصص اللي نجهلها الى الان ،، يا ترى كم قصة؟ كم شخص؟ كم ثقافة؟ كم عربي؟ وكم طفل؟
اذا الشعور الاول هوا شعور الفقد لجزء كبير من تاريخنا العربي وثقافتنا وقصصنا ومجدنا
فقد مزعج كغشاء رقيق حول القلب
وايضا في شي ثاني ازعجني ف المقال وهوا كثرة الانتقادات وهي طبيعية كونها قراءة في كتاب
بس بالنسبة ليا خربت عليا جزء بسيط من متعة المقال
اذا الشعور الثاني هو انزعاجي من المقال بسببين اولا قصره بحيث ما يعطي مساحة لمشاعري بانها تكتمل وتوضح ثانيا الانتقادات اللي تضفي جو سلبي على متعة القراءة
واخيرًا انا ممتنة لهذا المقال اللي اثار هاذي المشاعر وانعش فكرة الثقافة العربية داخلي وتراثنا وتاريخنا ايش ماكان وفين ماكان
شكرًا لمرورك فاطمة، اتفهم مشاعرك، كما ذكرتي لأنها قراءة في الكتاب فلابد من النقد (وليس الانتقاد السلبي هناك فرق)، أيضًا هذا المقال فيه جانبين لابد أن نفصل بينهما: الأول قصة عالية الحقيقية، الثاني: العمل الفني الذي حاول تجسيد هذه القصة، وكل عمل فني لابد أن يكون فيه مواطن ضعف، والنقد دائما يسعى في نهاية المطاف لرفع جودة الأعمال الفنية حتى تجسد قصص الإنسان بأفض صورة ممكنة، وليس مهمة القراءات النقدية أن تطبطب على مشاعرنا وتجعلنا نشعر بشعور جيد.
ممتنة لمرورك مرة أخرى