ماذا نفعل بحزب المحايدين في استطلاعات الرأي؟

إذا كنت مهتما بمجال دراسات واستطلاعات الرأي أو تعمل به، فقد تكون قد تمتمت في نفسك بعضاً من الأسئلة التالية:

  • “ليش في مجموعة من الناس اختارت إجابات حيادية؟”
  • “هل اختاروا الحياد عشان الأسئلة حساسة؟”
  • “ولا همّ طفشانين ومغصوبين، فاختاروا اجابات حيادية بس عشان يخلصوا؟”
  • “طيب أنا ايش استفدت؟!”

هذه بعض الأسئلة التي تبادرت الى ذهني حين قمت بتحليل نتائج استطلاع رأي لإحدى الدراسات، كان الاستطلاع مكون من أسئلة القوائم الاختيار التفضيلية أو ما يعرف بـ Likert Scale*، وكان أكثر ما شد انتباهي هو ثبات تكرر نسبة المُستجيبين الذين اختاروا إجابات الحيادية، قررت حينها أن ابحث واقرأ عن استخدام خيار “الحياد” عند تصميم أسئلة استطلاعات الرأي، وسأستعرض في هذا المقال بعضا من الآراء في هذا الموضوع.

ليس الهدف هنا أن يخرج القارئ بفكرة “لن استخدم خيار الحياد عند تصميم استطلاعات الرأي بعد اليوم” أو العكس! بل الهدف هنا:

  1. تعزيز فكرة أنه ليس كل ما هو متعارف عليه من صيغ أسئلة هو بالضرورة مناسب في جميع الحالات لمجرد انتشاره أو كثرة استخدامه
  2. الاطلاع على آراء مختلفة قد تفيدنا لاحقا في تصميم أسئلة استطلاعات رأي أفضل

أفكار تأسيسية قبل الشروع في عرض الآراء:

  • مفهوم الحياد هنا لا يقتصر فقط على الاجابة بـ “محايد” بل يندرج تحت مفهوم أشمل وهو “الخيار الأوسط” وهو ما لا ينتمي الى توجه صارم أو غالب. مثال على ذلك، “أحيانا” والتي تقع بين “دائما” و “أبدا”.
  • مجرد وجود خيار الحياد يجذب عدد أكبر من المُستجيبين لاختيار الحياد كإجابة حتى وإن كان بعضهم يميل في الأصل إلى الموافقة أو عدم الموافقة[1].
  • صياغة السؤال من حيث نوعه ليست العامل الوحيد الذي قد يؤثر على أجوبة المُستجيبين بل صياغة السؤال من الناحية اللغوية أيضا، بل وللصياغة اللغوية التأثير الأكبر، والمقصود هنا بالصياغة اللغوية ليس فقط سهولة اللغة المستخدمة بل ما إذا كانت المفردات المستخدمة تتضمن معنى سلبي أو ايجابي في ثقافة معينة.

فيما يلي سأستعرض ثلاثة آراء مختلفة حول استخدام إجابات الحياد

الرأي الأول: وجود خيار الحياد أو عدمه ليس له أي تأثير

أجرى بعض الباحثين تجارب Split-ballot** عديدة والتي أدت الى استنتاج أن وجود خيار الحياد من عدمه ليس له أي تأثير على النتائج النهائية لدراسة ما، للتوضيح، هذا مثال من احدى الدراسات:

مقارنةً مع غالبية الناس، هل انت على دراية أكبر، أو أقل، أو على دراية متوافقة مع متوسط دراية الناس* بكيفية معالجة الأمراض البسيطة؟*(خيار الحياد)
الاختيارات المطروحة نسبة الاجابات (مع استبعاد خيار الحياد) نسبة الاجابات (مع ادراج خيار الحياد)
دراية أكبر 45.5 25.5
دراية أقل 18.1 6.0

في كلا الحالتين كانت النتيجة النهائية واحدة وهي أن الغالبية كانت على دراية أكبر، هل يعني ذلك اننا نستطيع ببساطة استبعاد خيار الحياد دائما؟

الرأي الثاني: ادراج خيار الحياد ضروري

الفريق الآخر من الباحثين المؤيدين لإدراج خيار الحياد في استطلاعات الرأي يؤكدون على أن وجوده أساسيا وليس ثانويا، لأنه لا يجب أن نفرض على المُستجيبين توجه معين في الإجابة قد تكون بعيدة عن آرائهم الأصلية، في هذه الحالة قد تكون الإجابة بالحياد هي الأقرب للرأي الحقيقي لدى المُستجيب، لنفترض أن أحد الفنادق قام باستطلاع رأي يسأل فيه النزلاء عن جودة صالة الرياضة المُلحقة، قد يكون السؤال كالتالي: “ما مدى اتفاقك مع العبارة التالية بشكل عام، الاجهزة الرياضية في حالة ممتازة”، والإجابات المطروحة كالتالي: أوافق بشدة، أوافق، لا أوافق، لا أوافق بشدة، في هذه الحالة نكون قد استبعدنا خيار الحياد (محايد)، وبهذا فإننا نُرغم المُستجيب الذي لم يجرّب الصالة الرياضية باختيار اجابة غير صحيحة، وبذلك يكون استبعاد خيار الحياد له تأثير سلبي على صحة الأجوبة. ولكن هل خيار الحياد في هذا المثال يعني بالضرورة أن المُستجيب لم يجرب الصالة الرياضية؟ أليس من الممكن انه اختار الحياد لأنه استخدم الصالة ولكنه ما بين الموافق واللاموافق؟  كيف نعرف الدافع الحقيقي وراء اختيار المُستجيب للحياد؟ 

الرأي الثالث: استبعاد خيار الحياد ضروري

بعض الاعتراض على استخدام خيار الحياد ينطلق من فكرة أن خيار الحياد يعطي المُستجيبين فرصة للتهرب من الإجابة وبالتالي عدم الحصول على إجابات دقيقة، و بحسب بعض الباحثين هناك عدة دوافع لهذا التهرب، الدافع الأول هو أن الناس – بشكل عام – يميلون إلى تجنّب الجهد المصاحب لإعمال العقل الذي تتطلبه الإجابة على استطلاعات الرأي[2]، الدافع الثاني هو أن البعض قد يختار الحياد للتخلص من الشعور السلبي المصاحب لعدم القدرة على -أو التخبط في- تكوين رأي ما[3]، أما الدافع الثالث فهو الضغط الاجتماعي، أي أن البعض قد يلجأ للحياد حين يشعر بالتردد في اختيار إجابة قد لا تكون مقبولة في بيئة\مجتمع ما[4]. إذن حين نستبعد خيار الحياد من استبيان ما، فإننا نضطر المُستجيب إلى إعمال عقله، تكوين رأي ما، أو عدم الخضوع للضغط الاجتماعي، وكنتيجة نهائية فإننا نحصل على إجابات أدق كما يؤكد فريق الباحثين المؤيد لاستبعاد خيار الحياد.

مقاربة بين الآراء وبعض الاقتراحات العملية

بعد استعراض هذه الآراء المختلفة، اعتقد أننا سنتفق على أن أهمية وجود خيار الحياد أو عدمه يختلف من حالة إلى أخرى، ولتحديد كل حالة ومتطلباتها، قد تفيدنا الاقتراحات العملية التالية:

    1. فهم الهدف: قبل الشروع في تصميم استطلاع الرأي، حدد مالذي تريد معرفته أو قياسه، هل هي توجهات، قناعات، سلوك، أم سمات؟ فهم الهدف من الاسئلة يساعد على تحديد درجة حساسيتها، فكلما زادت الحساسية كلما كان ادراج خيار الحياد أنسب كما يؤكد بعض الباحثين[5]، أيضا من المهم أن تحدد ما إذا اردت معرفة قناعات محددة لدى المُستجيب أو درجة ميله لرأي ما، في الحالة الأولى يكون ادراج خيار الحياد مهم بينما تقل أهميته في الحالة الثانية[6].
    2. استخدام مفردات وصياغة محايدة: كما ذكرت سابقا صياغة السؤال لها الدور الأكبر في التأثير على أجوبة المُستجيبين، لذلك يُنصح بتجنب مفردات تدفع للانحياز على حسب البيئة المعنيّة، مثلا كلمة “الانفتاح” قد يكون لها وقع سلبي في ثقافة ما بينما لا يوجد هذا الوقع السلبي لها في ثقافة أخرى.
    3. استخدام بدائل عن خيار الحياد: في بعض الحالات قد يكون من المناسب ادراج اختيارات مختلفة “لا أعلم”، “لا أريد الإجابة”، “أخرى”، أو إجابات معينة اخرى والتي عادة ما يتضمنها خيار الحياد، في هذه الحالة قد يكون لدى الباحث إجابات أدق، لكن ادراج البدائل يجب أن يتم بشكل حذر، لأنها هي الأخرى عليها اختلافات من قبل الباحثين.

وأخيراً، ابحث، اقرأ، ابحث، اقرأ، واستشر حتى تصل الى أفضل الممارسات والنتائج في تصميم استطلاعات الرأي.

—————

 

* Likert Scale مقياس يستخدم لتمثيل مواقف الناس تجاه موضوع ما، ويتراوح المقياس عادة من أوافق بشدة الى لا أوافق بشدة

** Split-ballot (أو ما قد يُترجم إلى طريقة “تقسيم الاقتراع”) هي طريقة تُقسّم فيها عينة البحث الى قسمين بحيث يعطى كل قسم استبيان مُصاغ بطريقة مختلفة عن الآخر و يكون الهدف هنا معرفة ما اذا كانت احدى الصيغ تتضمن حيادية تؤثر على اجوبة المُستجيبين

المصادر

[1]The Effect of Offering a Middle Response Option with Opinion Questions, 1980

[2] The impact of ‘no opinion’ response options on data quality: Non-attitude reduction or an invitation to satisfice?, 2002

[3] Experiments with the middle response alternative in survey questions, 1987, and Coping with ambivalence: The effect of removing a neutral option on consumer attitude and preference judgments, 2008

[4] The impact of ‘no opinion’ response options on data quality: Non-attitude reduction or an invitation to satisfice?, 2002

[5] http://hamdisocio.blogspot.com/2010_06_19_archive.html

[6] The Art of Asking Questions,1951

7 ردود على “ماذا نفعل بحزب المحايدين في استطلاعات الرأي؟”

  1. موضوع جميل، والحقيقة أنه أثار شيء في نفسي تجاه استطلاعات الرأي أو تحديداً الاستطلاعات المعنية باختبار تحديد الشخصية. أواجه مشكلة في بعض الأسئلة أنها تكون غير واضحة بالنسبة لي فأجدني أتساءل هل يقصد الشيء رقم1 أو رقم2، لأن لكل شيء إجابة مختلفة فالحل في حالات مشابهة لهذه تكون الهروب لخيار الحياد إن وجد. أما في بعض الأحيان تكون الإجابات غير متوافقة تماماً مع ما يعبر عنّي فاضطر اضطراراً لاختيار الإجابة الأقرب وإن كانت غير متوافقة من الأساس.

    1. شكرًا أحمد، أنا متفاجئة الصراحة أن هناك شخص اهتم لهذه المقالة “ثقيلة الدم” ! اتفق مع نقتطتك

  2. تدوينة ماتعة، أعطتني إجابة شافية على تساؤلي.
    صدقًا ما عرف شلون أشكرك على التوضيحات كمقياس ليكرت وما إلى ذلك.
    يتملكني الفضول لمعرفة سبب اختيارك لوحة فان دير هولست لموضوع يخص الاستطلاعات.

    1. أهلا عبدالله، أول شي أشكر الله إني عشت إلى اليوم اللي أشوف أحد يقول عن هذه المقالة ماتعة ! دايما عندي قناعة إنه ماحد رح يقرأ هذه المقالة ناهيك عن أنه يجدها ماتعة..والله إنت اللي شكرا يا شيخ
      تاني شي بالنسبة للصورة حقيقة السبب بسيط، بس كنت أبحث عن شي يحاكي صورة في ذهني: حزب، تجمع ما بنكهة سياسية في عصور سابقة..طريقتي في اختيار صور المقالات جدًا..همم “Based on impression” أكثر من انه فيه أسباب منطقية
      بس جدًا مُلفت إن لفت انتباهك اختيار الصورة 🙂
      آخر شي، أنا عندي فضول أعرف ليش قرأت المقالة؟ هل طبيعة عملك ؟ أو اهتمام شخصي؟

      1. طبيعة عمل، كل عام جديد أحاول أتعرف على أكبر قدر ممكن من المعلومات عن طلابي الجدد في فترة زمنية قصيرة. لذلك استخدم استطلاعات الرأي لمعرفة الأشياء اللي يحبونها ويهتمون بها. خطرت لي الفكرة بعد قراءة كتاب “100 دقيقة” لليزا دوناهيو. فسبق وسألت نفسي كثير سؤالك ذاته “هل همّ طفشانين ومغصوبين، فاختاروا اجابات حيادية بس عشان يخلصوا؟”.

  3. شكرا على المقالة، لقد قرأتها متأخرا لكن لا بأس. لم أكن أعرف أن خيار الحياد في الاستطلاعات له هذا الوزن و قد يؤثر على نتائج الاستطلاع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *