مصدر الصورة: newgrounds.com
وقعت مرة على نص مثير للاهتمام للكاتب كريس أبو زيد، يتحدث فيه عن فكرة علاقة المأساة بصنع الفن، الكتابة تحديدًا، مما يبعث على التساؤل: هل نحتاج لأن نكون معذبين لنصنع فنًا معتبرًا؟
سأشارك هنا النص كاملاً كما هو لأنه ممتع جدًا – وكوميدي! – ومن ثم سأشاركك تعليقي في النهاية.
«هابطًا في دوامة الجنون والكوكايين؟» مقال لـ كريس أبو زيد
الحياة بطريقة صحية وآمنة أفسدت الأدب. سأقولها مرة أخرى: الحياة بطريقة صحية وآمنة أفسدت الأدب…لماذا؟
لأنه مع كل صيحة جديدة من صيحات الحفاظ على اللياقة والصحة – الحمية، حصص اليوغا، الفيتامينات، جلسات التأمل والتعافي – مع كل كاتب إضافي يهتم بصحته، يسقط الأدب في حفرة عميقة من السوء والفشل. ألم نتعلم شيئا من محاضرات الأدب التي تلقيناها عندما كنا طلابًا؟ هل نملك ذاكرة متعجرفة إلى هذا الحد، لدرجة نسياننا للعوامل المهمة التي تصنع أعظم الكتاب؟ البؤس. العذاب. اليأس. وليس الإندروفين وهرمونات السعادة.
فكر قليلاً. هل كان بإمكان «كافكا» أن يكتب “المسخ” لو كان مشغولاً بتناول وجباته الصحية والتمرن يوميًا لمارثون ما يريد المشاركة به؟ هل بإمكان «فيرجينيا وولف» أن تكتب “إلى المنارة” لو كانت تذهب إلى حصص الزومبا. وتخلط عصائر الفواكه كل صباح؟ لا. الحقيقة هي أن الأدب العظيم يحتاج إلى معاناة عظيمة.
الآن، يقف بعضكم في هذا العالم ويقودهم التفكير أنهم قد ينجحون في كتابة الرواية المذهلة القادمة التي ستدهش الجميع، ولكني سأختصر عليك الطريق، لن تتمكن من فعلها إن كنت تتبع الوصفة الأمريكية للصحة والسعادة. ما يجب عليك فعله الآن هو أن تدع ذاتك الطفولية جانبًا وتتصل بروحك المعذبة بدلاً منها، عد إلى جذور الأعمال الأدبية عبر التاريخ ستجد الألم بانتظارك، ولمساعدتك في خوض هذه الرحلة، أعددت لك هذا الدليل الصغير بإمكانك طباعته ووضعه في جيبك لتتذكره دائما:
قصة كارثية في الطفولة:
مهنتك كصاحب روح معذبة تبدأ بقصة كارثية حدثت لك في الطفولة، ربما قتل والدك. أو ربما رأيت منظرًا مروعًا في إحدى الغابات. مهما كانت كارثتك، احرص على تدوين تفاصيلها وعرج عليها في كتاباتك كلما وجدت الفرصة. وإن كنت أحد تلك الأرواح سيئة الحظ التي لا تملك ذكريات مأساوية في طفولتها، إن كنت ترعرعت وسط عائلة محبة، ولم تتعرض للاغتصاب من معلميك في المدرسة أو زملائك، فلا تيأس، أنت كاتب، بإمكانك اختلاق القصص دائمًا.
زواج تعيس، علاقة تعيسة
إن كنت في زواج تعيس أو علاقة تعيسة، فأهنك على هذا، قد اختصرت طريقًا طويلاً على نفسك، وإن لم تكن قد حظيت بهذه التجربة التعيسة بعد، فأنصحك بالدخول إلى موقع badMatch.com وبناء على بياناتك الشخصية، سيجد الموقع العلاقة البائسة التي تبحث عنها بالضبط. ولكن احذر، لا تختر السم المناسب لك إلا بعد تفكير طويل، العلاقة الخاطئة بإمكانها أن تحولك إلى مخبول، وبإمكانها أن تحول شريكك إلى كاتب ناجح!
تعاطى المخدرات
لا تفكر حتى أن تصبح كاتبًا حقيقيًا دون أن تنغمس في تعاطي المخدرات. ولا تظن أنه بإمكانك اختيار أي نوع منها، عليك أن تختار المخدر المناسب العذاب المناسب. اختر الكحول إذا كنت تريد أن تصبح كاتبًا مظلمًا، غاضبًا، مستعدًا للنزاعات الأدبية دائمًا، يكتب بشكل رنان ويعاني من العجز الجنسي، اختر الكوكايين إذا كنت تريد أن تصبح كاتبًا سريعًا، وشخصيته اجتماعية سطحية يعرفها الجميع، يكتب عن زملائه متعاطي كوكايين الآخرين، اختر الكريستال ميث إذا كنت تملك أسنانًا سيئة من الأساس، وتذكر دائمًا: التعافي من كل هذا يصنع قصة إنسانية رائعة، «هابطًا في دوامة الجنون الكوكايين»، قد حصلت عنوان روايتك القادمة!
الدَين
في عصر البطاقات الائتمانية والشراء الإلكتروني، ما أسهل أن تثقل كاهلك بالديون. الكثير من الكتاب سيقترضون القليل من المال في البداية لشراء أشياء لا يحتاجونها، أو الذهاب في رحلات لا يستطيعون تحمل تكاليفها، ولكن هذه طريقة خاطئة ولا تحدث الضرر الكافي، الدين هو الدين. لا يهم إن اغرقت نفسك فيه ببطء أو بطريقة جنونية المهم أن تنغمس فيه بقدر استطاعتك، لذلك قم ببيع تأمينك الصحي، وتسكع مع أصدقائك المرضى دون الخوف من الإصابة العدوى. خذ قرضًا لإتمام دراستك في كلية الطب، ولا تذهب طبعًا لأي من تلك المحاضرات. اشتر كل ما تعرضه الإعلانات في فواصل مباريات دوري كرة القدم. ثم اجلس بهدوء على أريكتك، ودع الدين يسحقك بكل قوته، أليس هذا الألم رائعًا؟
الرفض
لا شيء يعذب الروح أكثر من الرفض ولا أحد يحب جذب الرفض نحوه أكثر من الكاتب. عدد هائل من الصحفيين، المحررين، العملاء، والأصدقاء يقفون مستعدين في صف واحد ليقذفوا بالرفض في وجهك في أي لحظة، ولكن أفضل أنواع الرفض هو ذلك الذي يأتي في قطعة ورق صغيرة أو في رسالة بريد إلكتروني مقتضبة، من مجلة أدبية ربما أو من صحيفة يومية، انتظر محررها ثمانية أشهر حتى يتفضل عليك بالرد ويخبرك في النهاية أنه لا يريد نشر عملك، لماذا؟ لأنه بإمكانك طبع هذه الرسائل وجمعها كبطاقات البريد، بإمكانك أن تعلقها على جدران حمامك، أو تصنع منها روزنامة رفض، لأنها الهدية المثالية لكاتب يشعر دائمًا بأنه عديم الفائدة.
الأمراض
لا أحد يريد أن يصاب بالأمراض، ولكننا بالرغم من هذا نحتفظ بكل التقدير للفنانين المعذبين المصابين بالأمراض، ماذا سيتبقى لنا من الحب تجاه «ووردزورث» و«برونتي» لو لم يكونا مصابين بمرض السل؟ وما نوع الفردوس الذي بإمكان «جون ملتون» تخيله لو لم يكن أعمى؟ لا أستطيع نصحك بأن تذهب وتلتقط أي مرض عضال أمامك، ولكن إن استطعنا أن نحصل لك على بعض الفطريات في قدمك، أو على التهاب فظيع في جيوبك الأنفية، سيساعدك هذا حتمًا للوصول إلى الوصف الأعلى لذاتك الإنسانية المعذبة.
هذا كل ما لدي، اذهب الآن، واجعل من العذاب ربة إلهامك
– انتهى المقال –
حسنًا، قبل أن “تعصب عليا” عزيزي القارئ لمشاركة هذه المقالة التي تبدو في ظاهرها منحطة، دعنا ننظر إليها من ناحيتين:
أولاً: الفكرة الجوهرية التي ترمي إليها مقالة كريس هي أن هناك علاقة وطيدة بين الفن والألم، وهذا ما نراه جليًا في الأعمال الأدبية العظيمة، فمعظمها – إن لم يكن جميعها – نابعة من تجارب قاسية مر بها كتّابها، فكما أن المعاناة والمآسي قد تخرج أسوأ ما في الإنسان، فهي أيضًا وسيلة قادرة على إخراج أفضل ما فيه.
بالطبع لا أحد يقترح أن يرمي الفنان أو الكاتب بنفسه إلى التهلكة، خاصة تعاطي المخدرات والكحول (يا لطيف!) لكن ربما تكون الفكرة الموازية هنا هي التعايش مع أو الترحيب بالآلام والمآسي التي ترميها الحياة في طريقنا، وتحويلها إلى آلة لصنع الفن، بدلاً من محاولة الهروب منها أو رفض حقيقة وجودها لهثًا وراء حلم – أو بالأحرى وهم – السعادة الدائمة.
لا أعلم إن كانت هذه نظرة سوداوية أو متشائمة، شخصيًا لا أعتقد أنها كذلك، هي نظرة واقعية تحاول أن ترى الحياة كما هي وليس نسخة مزيفة عنها، السوداوية والتشاؤم يعطلان عجلة الحياة، لكن التصالح مع الجانب المرير والمؤلم في الحياة يخلق تدفقًا وسريانًا، ليس فقط لصنع فن يغير شيء ما في الإنسان، بل أيضًا يساعد هذا الإنسان على أن يغمر نفسه كاملاً في تجربته البشرية الثمينة والمؤقتة على هذه الأرض، وأن تغمر نفسك في التجربة البشرية يعني أن تسمح لروحك بالتمدد والاتساع، يعني أن تسمح لنفسك بالاندهاش، وبالتالي أن تحظى بالنمو والازدهار الوجداني.
أن نبتلي بمرض، بفشل علاقة، بقصة كارثية في الطفولة، كلها مآسي يمكننا إما أن نتقبلها ونتصالح مع وجودها ونقرر أن نجعلها آلة تدفعنا إلى الأمام، أو أن نهرب من مواجهتها ونرفضها، فنكون أكثر قلقًا وتبعثرًا، أو الأسوأ من ذلك، أن نستسلم لها تمامًا، سامحين لذواتنا بأن تغرق فيها كليًا، فلا يبقى شيء منا قادر على المضي قدمًا.
ثانيًا: أعتقد أن مقالة كريس هذه تشكل وصفة لعيش حياة هانئة! لا أعلم إن كان كريس يقصد ذلك من الأساس، أعني إذا استطاع الإنسان أن يتعلم كيف يتجنب المآسي المذكورة قدر المستطاع، فسيحظى حينها بحياة مرضية، بطبيعة الحال، بعض الأمور خارجة عن سيطرتنا، لطالما ستكون هنالك ابتلاءات لا يسعنا إلا تقبلها والصبر عليها، لكن بعض الأمور في ميادين العلاقات، والصحة، والديَن يمكننا إلى حدٍ كبير التحكم بها وتقليل الكوارث التي يمكن أن تحدث منها.
لكن قلي عزيزي القارئ، ما رأيك أنت؟
- هل تعتقد أن صنع الفن يحتاج بالضرورة إلى نوع ما من المعاناة؟
- هل يمكن أن يخرج فن من حياة مرفهة تتمتع بالإمتيازات؟
- هل هناك أنواع من الفن لا يمكن أن تخرج إلا من قلب المآسي، بينما أنواع أخرى يمكن أن تخرج من قلب السعادة والرفاهية؟
- بعيدًا عن أنواع المآسي التي ذكرها الكاتب في مقالته، هل تعتقد أن هناك أنواع أخرى من المآسي قادرة على صنع فن أو أدب عظيم؟
–انتهى–
مقالات ذات صلة:
المقال موفق،
لا أجيد الكتابة أبدا إلا في ليلة ظلماء وزاوية بعيدة وأفق أسود، هنا يضيع الحرف بين أناملي وتنسجم خيوط النص بشكل مذهل.
أعجبني ردك تملك تلك الأنامل التي تستطيع أن تنسج من الحروف كلمات وتعبر عن ذلك الفضاء الشاسع المسمى ب ( بكينونة النفس والمشاعر الكامنة ) ذلك ظني إحساسي وقد يخيب أو يصيب إذا كنت تملك مدونة أو منصة تكتب منها فيسعدني متابعتك
أفضل طريقة للتنفيس هي الكتابة، وأظن انها كثيرا ما تكون وسيلة للهروب من الواقع بالتخيل، فيسرح الإبداع.
🧡 العنود
إن اتفقنا يا العَنُود على كون الفن تعبير عن الذات والآخرين، فيمكننا قول أنه يخرج من قلب المعاناة ومن حياة مرفهة تتمتع بالإمتيازات على حدٍ سواء. إنما الفيصل هنا: الخلود.
فالمعاناة قدرٌ كُتب على جميع المخلوقات. لذا يُلامس الفن المستند إليها -أقصد المعاناة- جميع المتلقين بشكلٍ أو بآخر، كالأمثلة التي تفضلتِ بذكرها.
في حين أن (الفنّ المُرفّه) يعبّر عن صاحبه؛ كحال المغنيين المشهورين. لذا ليس من المُستغرب أن يعنى به قلّة من الناس.
اولاً سعيدة بعودتك العنود ،،
جعلتيني ابتسم لمقالة تدعوا الى البحث عن الألم والمشقة ،، مشاعري متضاربه الان !
هل الألم منبع للفن ،، لا اعلم لكن اعجبتني نظريتك ان اتساق النفس مع الألم ما يجعل الفن حقيقي ،، كثير من الادباء لو نظرنا لحياتهم بعيداً عن انتاجهم الادبي كانوا نوعاً ما في حياة (جيدة) ،، ارستقراطيين او (على القليلة مرتاحيين )،، فهل بحثوا فعلاً عن نفس الدليل الصغير للألم ؟!
اعتقد ان للادباء والفنانين روح مرهفة تجد الألم ربما في اشياء بسيطه حتى لو كانت تحدث لكل الناس ،، فانهيار علاقة او مرض او حتى دين ليست اشياء نادرة الوجود لكن تعبيرهم عنها بشكل يوحد كل الناس في ألمهم هوا ما جعلها مميزة .. شكراً لعودتك 🙂