أسئلة القرّاء #١: كيف أبدأ مدونة؟ عن ماذا أكتب؟ لماذا لا تحولين المدونة إلى بودكاست؟ ٧ أسئلة متكررة + مصادر مساعِدة

مصدر صورة التدوينة: PreSonus

أحب كثيرًا قراءة رسائل القرّاء التي تصلني على إيميل المدونة، ممتنة لكل من يتواصل معي تعبيرًا عن رأيه، أو مشاركة لمشاعره، وأسعد كثيرًا بتلقي أسئلة واقتراحات من المهتمين بالكتابة والتدوين، لذلك سأورد هنا أجوبتي على الأسئلة والاقتراحات الأكثر تكررًا لمن هو مهتم. سأقسم الأسئلة إلى قسمين: ١) حول التدوين، ٢) حول المدونة وصاحبتها.

بسم الله 🙂

القسم الأول: أسئلة حول التدوين (٤ أسئلة)

١) كيف أبدأ مدونة؟ ماذا أحتاج لكي أبدأ مدونة؟ أريد أن أبدأ لكن لا أعرف كيف؟

حسنًا، الموضوع بسيط، تستطيع في ٥ دقائق إنشاء مدونة مجانية، يمكنك استخدام wordpress.com أو كرميلا ذي التصاميم الفاتنة، أو أي منصة تدوين أخرى، نصيحتي هنا ألا تأخذ وقتًا طويلاً في اختيار اسم “فتّاك” للمدونة، سميها باسمك أو أي اسم مؤقت، يمكنك مستقبلاً تغيير الاسم بكل سهولة، لا تفرط في التفكير بتصميم المدونة، يمكن تغييره لاحقًا، الناس ستأتي إلى المدونة من أجل ما تكتبه، بغض النظر عن الاسم أو التصميم.

المطب الأول الذي يمكن أن تقع فيه هنا هو أن تقارن نفسك بمدونين متقدمين/محترفين يكتبون منذ فترة طويلة، كلما قارنت بين امكانياتك الحالية وبما حققوه أو وصلوا إليه، كلما صعّبت المسألة على نفسك. صدقني أعرف هذا الشعور تمامًا! تقبل حقيقة أنك مبتدئ، أنك ستكتب العديد من التدوينات السيئة، أن الناس لن “يعطوك وجه” بالضرورة، تصالح مع هذه الاحتمالات (يا حبذا أسوأ الاحتمالات) كي تستطيع البدء والتركيز على التدوين.

المطب الثاني هو أنك تكترث كثيرًا لصورتك الاجتماعية عندما تعلن عن بدء مدونتك أو تقلق من ردود أفعال من حولك، الناس هم الناس منذ بداية البشرية، قسمٌ سيحبون، وقسمٌ سيكرهون بغض النظر عما تفعل، هذه هي الحال ولن تتغير حتى تقوم الساعة، لذلك استثمر تفكيرك وجهدك فيما يمكنك التحكم به بدلاً من الأمور الخارجة عن سيطرتك. مهمتك فقط أنت تبدأ في الكتابة، وتستمر، وبعدها “يحلها ألف حلال”!

٢) لا أعرف عن ماذا أكتب؟ من أين آتي بالأفكار؟ لدي اهتمام بمجالات متعددة لا أعرف على ماذا أركز؟

هنا لدي قولين:

الأول: ما هو هدفك من إنشاء المدونة على المدى البعيد؟ هل تريد تحقيق أرباح مادية /دخل من ورائها؟ إذا كان الأمر كذلك، نعم من الأفضل التركيز على مجال معين. اختر مجال أنت مهووس به، وفي نفس الوقت له سوق، كيف بالضبط؟ ابحث، اقرأ، إسأل رائدين في هذا العمل – أنا لست منهم.

الثاني: إذا لم يكن تحقيق الدخل هدفك الأساسي، بل الكتابة والتعبير عن الذات وتوثيق الأفكار..إلخ، فلا يهم عن أي مجال تكتب، اكتب عما شئت، حرفيًا! المطب هنا هو أن تعتقد أن التدوينات والمقالات يجب أن تكون “ثقافية”؛ تتحدث عن موضوعات معينة مثل الأسئلة الوجودية والنقد الأدبي والفلسفة! صدقًا، من قال لك أنك لابد أن تكتب عن نيتشه وسارتر وإلا لن تكون كاتبًا!؟

نصيحتي: اكتب عن الشيء الذي يشغل تفكيرك دائمًا، أنت مهووس بالكب كيك؟ اكتب عنه، أنت مهووس بتغيير قطع السيارات؟ بالملابس الرياضية ؟ بتصاميم علب العصائر؟ أي شيء مهما بدا صغيرًا وتافهًا، صدقني الهوس والفضول يصنعان محتوًا رائعًا.

اكتب عن طفولتك، عن أكلتك المفضلة، عن مايدور في ذهنك، عما تكره، عما تحب، عن آخر مباراة شاهدتها، عن آخر محادثة خضتها مع أحدهم وكانت مؤلمة، هناك عدد لا نهائي من الأمور التي يمكنك الكتابة عنها، أمور من حياتك، من غرفتك، من محيطك.

شخصيًا أؤمن بالكتابة من أجل الكتابة، ليس من الضروري أن يكون هناك هدف أو قضية أو قيم يجب أن نوصلها من خلال الكتابة، إن وجد، فزيادة الخير خيرين، وإن لم يوجد فيكفي أن الكتابة وسيلة للتخاطب بين الأرواح والعقول. مهمتك هنا: أن تكتب بصدق عما أنت مهتم به حقًا، أرجوك لا تتصنع ولا تحاول أن تظهر بمظهر “المثقف”، سيقلل ذلك من جودة محتواك.

* ملاحظة جانبية: يمكن تحقيق دخل من مدونة غير متخصصة، أي لا تتناول مجالاً معينًا، لكنها مهمة أصعب وتأخذ وقت أطول مقارنة بالمدونات المتخصصة، ثقف نفسك إن كنت مهتمًا.

٣) أريد أن أبدأ لكن أحتاج دعم؟ أحتاج من يدعمني؟ أحتاج إلى دفعة فقط!

صدقًا، أنت لا تحتاج لأي دعم كي تبدأ، كل ما تحتاجه هو هاتف/جهاز حاسوب، انترنت، وبعضًا من الشجاعة، فقط. لا تتحول إلى دراما كوين أو دراما كينق عزيزي القارئ 🙂 ولكن..لكن..إذا تعتقد أنك تحتاج إلى رفقة يشاركونك اهتماماتك حتى تتعاونوا وتشجعوا بعضكم على التعلم والاستمرارية وتبادل الخبرات، فبفضل الله هناك الكثير من المصادر المتوفرة بضغطة زر، هناك تطبيق منصة (أشرت إليه في مواضع عدة في المدونة) لديهم مجتمعات وأنشطة عديدة لمختلف الاهتمامات منها الكتابة، أيضًا لديك meetup.com و كورا، كما يوجد سبليفت الذي يقدم أحيانًا ورش عمل لتجربة الكتابة الإبداعية، أو يمكنك استكشاف إحدى المبادرات المعنية بالكتابة على منصة إكليل، كما يمكنك التعرف على المدونين العرب والتواصل معهم من خلال منصات عديدة مثل الفهرست، ومرجع التدوين العربي، وأيام التدوين العربي.

٤) كيف أستطيع تحقيق انتشار واسع لكتاباتي/للمدونة؟

سأخصص تدوينة لهذا السؤال بحول الله في الشهور القادمة. الآن كل ما أستطيع قوله: اشغل تفكيرك بكتابة محتوى جيد. جيد أي صادق، يثير اهتمامك أنت، بكلمات وأسلوب سهلين دون تكلف، ولا تشغل نفسك بهم الانتشار. ولو كان غرضك تحقيق أرباح أو أهداف تسويقية، عندها ثقف نفسك في مجال التسويق الإلكتروني.

القسم الثاني: أسئلة حول المدونة وصاحبتها [ اللي هي أنا يعني 🙂 ]

١) لماذا لا تكتبين كتابًا؟ لماذا لا تنشرين مقالات المدونة في كتاب؟

ممتنة لكل القرّاء الذين يعتقدون أني مؤهلة لتأليف كتاب، هذا إطراء كبير! لكن لدي فلسفة خاصة في تأليف ونشر الكتب، اعتبرها مانفيستو أو بيان:

  • لن أكتب/أؤلف كتابًا إلا إذا كان موضوعه يشغل بالي ٢٤ ساعة، يستحوذ على دماغي، يوقظني في نصف الليل، أي أن أكون مهووسة بموضوعه تمامًا
  • هناك فرق بين الكتابة وتأليف الكتب، في هذه المرحلة أنا أركز على أن أكون كاتبة محترفة، إذا حصل تأليف لكتب فأهلاً وسهلاً، وعليه فإنه لا يهمني أن يكون لدي غزارة في تأليف للكتب، لكن يهمني جدًا أن يكون لدي غزارة في كتابة المقالات
  • لن استعجل في تأليف ونشر كتاب لمجرد أني كاتبة ومدونة، الكاتب المعروف مارك مانسون كانت يدون لمدة ٦ سنوات قبل أن ينشر كتابه الشهير الأول فن اللامبالاة. سآخذ وقتي حتى تنضج كتابتي وأفكاري
  • لن أنشر كتابًا يمكن تناول موضوعه في مقالة مطولة أو اثنتين. لن أنشر كتاب يمكن للقارئ أن يجد موضوعاته/مرئياته/استنتاجاته متوفرة بضغطة زر على قوقل أو مأخوذة نسخ لصق من الكتب الآخرى. إذا نشرت كتابًا فيجب أن يكون المبحث أصيل، يضيف قيمة حقيقية للمكتب العربية، ويبرر قطع الشجر المهدور في صناعة الأوراق
  • نشر الكتاب ليس غاية، وليس وسيلة، بل أريده أن يكون نتاج بحث شخصي حقيقي، الأصل فيه محاولة الاجابة عن سؤال/أسئلة معينة

بالنسبة لسؤال لماذا لا أنشر مقالاتي في كتاب؟ يالطيف! أو يالهوي! كما يقول الإخوة في مصر…الصراحة أجد أن هذا الفعل ما هو إلا كسل ذهني! حقًا؟ تعيد نشر ما نشرته مسبقًا؟! هذا إن افترضنا أن ما نشرته في الأساس كان يستحق القراءة.. لن أفعل ذلك أبدًا إلا لو كنت مثلاً كإدوارد سعيد أو عبد الوهاب المسيري! وهذا ليس من باب قلة الثقة بالذات بل من باب احترام الذات، واحترام القارئ، واحترام الإرث الإنساني المعرفي.

٢) العنود، من فضلك اكتبي عن الموضوع الفلاني. لماذا لا تكتبين عن هذا وذاك؟

ردي على هذا الطلب/السؤال دائمًا وأبدًا: «إذا كنتَ مهتمًا لهذا الحد بهذا الموضوع، إذن أنت من يجب أن يكتب عنه!». ستكتب شيئًا جيدًا في الغالب لأنك مهتم. أما أنا فلست صانعة محتوى، أنا كاتبة، أكتب فقط عما يهمني ويشغلني وأؤمن به. حتى عندما أقدم خدمات كتابية، فإني أختار الموضوعات/المجالات التي تتقاطع مع اهتماماتي.

٣) لماذا لا تحولين المدونة إلى بودكاست؟ لماذا لا تبدأين بودكاست؟

سؤال المليون ريال الذي تلقيته ربما مليون مرة. مجددًا، أسعد كثيرًا بثقة القرّاء وحسن ظنهم بي وبما أكتبه، ممتنة لحرصهم على انتشار مقالات المدونة وموضوعاتها، حيث أن الدافع لمقترحي هذه الفكرة عادة هو: «عدد الناس الذين يقرؤون مقالات محدود مقارنة بمستمعي البودكاست». قد يكون هذا صحيحًا، لكن كما ذكرت، أنا كاتبة، والكتابة وعملية إنتاج البودكاست عالمين مختلفين تمامًا، أحب الاستماع إلى البودكاست، لكن صناعته مجال لا يشدني. حاليًا ليس لدي أي اهتمام به، ولا حتى القدرة على الالتزام بذلك، ربما في المستقبل أغير رأيي، لا أعلم..

أنا أكتب لأني أحب عملية الكتابة وأؤمن بها، لا لأني أريد أن أصنع محتوًا أود إيصاله لأكبر عدد ممكن من الناس. لا أرى أن مهمتي أن أصل لكل البشر، أيضًا ليست مهمتي أن أُخرج محتوًا يتناسب مع نمط حياة الناس السريع والمزدحم، أو محتوًا ترفيهيًا يمتع الناس، مهمتي فقط أن أكتب شيء جيد. أحب وأؤمن بالمقالات المطولة، المملة، ثقيلة الدم، هذا ما أقدمه، وأنا سعيدة جدًا بالعدد القليل من القرّاء الذين يشاركوني هذا الاهتمام.

إن كان لديك أسئلة أخرى، يمكنك التواصل معي على هذا الإيميل.

[email protected]

كل الود

العَنُود.

ملاحظة: أيًا من الجهات/المنصات المذكورة ليست إعلانات مدفوعة، أنا أروّج لما أؤمن به.

مقالات أخرى حول الكتابة:

هل مهنة الكتابة هي «البطة السوداء» بين المهن؟

لماذا يجب أن تطلق «الكاتب» الذي بداخلك؟ الكتابة كمهارة ضرورية للنمو المعرفي

مع أو بدون “خشم” بينوكيو؟ تأملات في التعبير عن النفس

١٠ أمور تعلمتها من سيث جودين: دروس حول الحياة، العمل، التدوين – مقال مترجم

ماذا يعني أن تشرب كوبًا من الشاي في قصر سندريلا؟ حوار مع المؤلفة والناشرة أروى خميّس

مقالات ذات صلة:

أول ٥٠ موعد غرامي: ٤ اقتراحات لبناء علاقة متينة مع أي مهارة جديدة

ماذا يعني أن تختار الخروج إلى الناس عاريًا؟ ولماذا يجب عليك فعل ذلك؟

ماذا يعني أن تكون مصابًا بمتلازمة الدجّال؟

انضم إلى قائمة القرّاء الرهيبين حتى تصلك مقالات مثيرة من هذه الغرفة الصغيرة!

9 ردود على “أسئلة القرّاء #١: كيف أبدأ مدونة؟ عن ماذا أكتب؟ لماذا لا تحولين المدونة إلى بودكاست؟ ٧ أسئلة متكررة + مصادر مساعِدة”

  1. مقالة رائعة، أتابع مدونتك منذ بداية السنة تقريباً وتعرفت عليها من خلال مدونة الأستاذ يونس بن عمارة. أنتظر صباح كل سبت لأقرأ المقال الجديد، وهي فكرة أعجبتني جداً أنوي تقليدها في مدونتي، الالتزام بكتابة مقال في موعد محدد لا أحيد عنه مهما كانت الظروف، بالتأكيد سأبتعد تماماً عن يوم السبت.

    شكراً على تدويناتك الرائعة. 👏

    1. شكرًا لك عزيزي هشام، كلامك يعني لي الكثير، أتمنى لك كل التوفيق في رحلة التدوين

  2. كلام جميل ومميز..
    والتدوين المستمر يُنضج الأفكار ويساهم في تحسين الكتابة بشكل كبير..
    وقد سمعت في مقابلة للكاتب سث غودين أنه ركز على الكتابة في مدونته لمدة 10 سنوات دون اي وسيلة أخرى، وأنه كان يكتب كل يوم وأكثر من نصف مقالاته دون المستوى، ويقول أنه لولا لك لما كنت سِث غودين الذي تعرفونه اليوم..

    مع تمنياتي لك بالتوفيق 🙂

  3. مقالة رائعة جدا الله يوفقك.
    جاءت على الوتر الحساس بالنسبة لي.
    انا فعلا مهتم بالكتابة والتدوين ولكن الطريق امامي غير واضح بمعنى الفكرة موجودة ممكن اكتب عنها سطرين بعدين اوقف كأني اختصرتها تماما، السؤال كيف اقدر استرسل واصنع افكار تصب في كتابة الموضوع.
    هذي مشكلتي حبيت اناقشها معك على العام حتى يستفيد من هو مثل حالتي.
    تحياتي لك واشكر لك سعة بالك.

  4. اعجبتني إجابة السؤال الثالث، لأن السؤال هذا كثيراً ما يطرح علي، بل يقترح البعض بأن أخصص قناة يوتيوب لإجراء الحوارات مع الأشخاص الذين استضيفهم في المدونة، وإجابتك اثلجت صدري كثيراً.
    القراءة هي سبب الكتابة دائماً، ومن لا يقرأ لا يكتب، ونحن معشر القراء لدينا حصيلة لغوية هائلة.

    ليس مجالها قصاصات وسائل التواصل الإجتماعي او بودكاست باللهجة العامة الخاوية من اي تعبيرات مجازية، فنحن نتحدث بها كل يوم، وإنما محتوى يناسب قريحتنا اللغوية.

    شكرا على مدونتك الرائعة التي اتاحت لي الفرصة لقراءة مقالاتك الشيقة وادعوكِ لزيارة مدونتي المتواضعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *