رسالة إلى الكائن المتشنج: 5 أفكار تضمن ألا “يفور دمك” عندما تتعرض لما يقوله أو يفعله الآخرون

عزيزي الكائن المتشنج،

أتمنى أن تصلك رسالتي وأنت في أفضل حال. أؤمن أن أدب الرسائل فيه الكثير من الحميمية، لذلك أود أن أكتب لك مباشرة وأقول لك ما في قلبي.

بالله عليك قلي، ألا تعتقد أن كوكب الأرض سيكون أفضل إن استطاع البشر التحكم بردات فعلهم عندما يسمعون أو يرون أو يقرؤن ما لا يعجبهم؟

هل نستطيع أن نتفق على هذه الفكرة؟ أظن أننا نستطيع.

دعني أقول لك أنني قبل فترة قصيرة شاهدت مقطع للمبدعة عائشة السقاف تتحدث فيه عن التنمر الذي تعرضت له إثر إطلاقها لآلة البيع الذاتية للكمامات والفقازات، الصراحة أدهشتني ردات الفعل القبيحة على مشروعها وكلام الناس المؤذي لها والذي كانت له تبعات سيئة على انتشار منتجها وعلاقاتها مع الشركات. في كل مرة أشهد تنمر أقول «هذا حدّهم، ما في أسوأ من كذا!»، إلا أنني في كل مرة أتفاجأ أن هناك مستوًا أسوأ وأقبح.

هناك الكثير من الدراسات والمختصين الذي تناولوا هذه الظاهرة بشكل تفصيلي، لن أورد أيًا من ذلك هنا، ما أريده هو “كلمة راس” معك من خلال هذه الرسالة، أنت، وكل من تصيبه نوبة تشنج حادة عندما يقرأ، أو يسمع، أو يرى مالا يعجبه من الآخرين.

أعتقد أن هناك ٥ أفكار إن طبقناها، سنتمكن من التحكم بمستوى “فورة الدم”، أو الحالة التي نشعر فيها أنه قد تم اسفزازنا فتكون النتيجة أن نتعامل مع الموضوع الذي أمامنا بتشنج، وهذا التشنج في أفضل الأحوال يؤدي إلى حرق أعصاب نحن في غنى عنه، أو يدخلنا في سجالات أو تصرفات لا معنى ولا قيمة لها، وفي أسوأ الأحوال يؤدي إلى أذية الآخرين معنويًا وماديًا. وحرصًا مني على مساعدة هذا الكوكب الغلبان ليكون مكانًا أفضل، وحرصًا مني على أعصابك ودمك عزيزي الكائن المتشنج – واللذان يستحقان أن تستثمرهما في شيء آخر بعيدًا عن التنمر والهجوم على الناس – أورد هنا هذه الأفكار الخمسة.

١- أنت لست محور الكون؛ الشمس لا تدور حولك

يؤسفني أن أبلغك بهذه الحقيقة المرة، لكن هدفي هنا أن أذكرك أنك مجرد إنسان من بين مليارات الكائنات على هذا الكوكب، الحقيقة هي أنه لا أحد يعلم بوجودك أو يكترث به إلا من هم حولك من الأقرباء والأصدقاء. لذلك، لماذا تشخصن المواضيع يا عزيزي؟ لماذا تهاجم كل شخص يشارك محتوى مقروء/مسموع/مرئي وكأنه يحاول أن يؤذيك أنت تحديدًا أو يقتص منك بسبب ثأر قديم بينكما؟ بينما هو في الواقع لا يعلم حتى بوجودك. حتى وإن علم بوجودك، لماذا تعتقد أنه يهتم برأيك، خاصة لو تذكرنا حقيقة أنك لست محور الكون هذه؟

٢- صاحب المحتوى ينطلق من منظور محدود

حسنًا، سترتاح كثيرًا إذا تذكرت أن الشخص الذي قال أو فعل شيء جعلك تتشنج هو شخص ذو معرفة محدودة في نهاية الأمر، يكتب من منطلق تجاربه الشخصية ورؤيته للحياة كما يراها هو، أي إنسان مهما كان مطلعًا وخبيرًا فعلمه لا يزال وسيزال – حتى نهاية هذا العالم – محدود، لأن هذه هي طبيعة العقل البشري. لذلك، إن لم يعجبك قول أحدهم، ببساطة امنحه عذر المعرفة المحدودة واشتري راحة دماغك، ما رأيك بهذه الخطة العبقرية؟

٣- تحرر من فكرة «أخذ موقف»

أؤمن أن الأمور التي يكون الصواب والخطأ فيها واضحان وجليان، أبيض أو أسود، صفر أو واحد، هي أمور قليلة جدًا جدًا جدًا في هذه الحياة، معظم الأمور الأخرى معقدة ومركبة، الأمر/القضية/الفكرة الواحدة قد تتكون من عدة طبقات متشابكة: طبقة قد تكون صواب، أخرى خطأ، وثالثة صواب في سياق معين لكنها خاطئة في سياق مختلف. لذلك، أجد أنه عندما نتخلص من فكرة ضرورة أخذ موقف فوري أو نقرر أننا مع أو ضد تجاه أمر ما، فإن في ذلك الكثير من التحرر – خاصة التحرر من التشنج – وهو أمر ضروري حتى نستطيع أن نصل إلى حالة هدوء وصفاء ذهني تجعلنا نفكر في الأمر ببصيرة ونفهمها فهم حقيقي.

٤ – دافع عن قضيتك بأفعال حقيقية

أتفهم تمامًا أن مشاعر التشنج والاحتقان قد تأتي كردة فعل عندما يمس أحدهم مقدسات نؤمن بها ونقدرها، مثلاً كأن يشتم أحدهم رمز ديني أو ينتقص من قضية حقوقية..إلخ، وللأمانة أجد أن مشاعر كهذه طبيعية، لكن ما ليس بطبيعي أن نعتقد أن “الجعجعة” والتنمر والشتم وتشويه السمعة والردود التي لا تنم إلا عن أخلاق قبيحة هي استراتيجية فعالة للدفاع عن القضايا التي نؤمن بها، بالعكس تمامًا، ردة فعل كهذه تزيد الأمر سوء وتجعلنا أنفسنا أعداء لا مناصرين لقضايانا. لذلك، إذا شاهدت يومًا أحدهم يقول شيء يمس بمقدساتك، تذكر نقطة #٢ (المذكورة أعلاه). خذ نفس عميق، وفكر: ماذا يمكنني أفعل لأوضح الأفكار المغلوطة عن القضية/الفكرة التي أؤمن فيه؟ هل أكتب مقالة تفند الموضوع؟ هل أنشأ موقع متخصص؟ هل أطور فيديو؟هل أبدأ مشروع؟…إلخ.

٥- اترك فترة زمنية كافية قبل أن تتصرف

حسنًا، لنقل أن شخصًا ما غرد تغريدة أو كتب لك تعليقًا جعلت الشياطين “تتنطط” أمامك، حاول قدر الإمكان ألا ترد في اللحظة ذاتها، انتظر حتى تنتهي الشياطين من القفز والرقص، ثم قم بالرد إن كان الأمر يستدعي ذلك (ملاحظة: ٨٩.٧٣٣٪ من الوقت الأمر لا يستدعي ذلك)، للأمانة هذه استراتيجية أحاول تطبيقها قدر المستطاع في حياتي، وأنا لا أتحدث عن التعامل على منصات التواصل الاجتماعية فحسب بل في تعاملتنا المباشرة مع الآخرين، خاصةً في سياق العمل، وخاصةً خاصةً عندما يتعلق بإيميلات العمل التي تفور الدم. أتذكر مقولة جميلة لأحدهم تقول: تعريف الوعي – أو الشخص الواعي – هو أن تكون هناك فترة فاصلة بين الحدث وردة الفعل تجاهها، إذا جاءت ردة الفعل مباشرة في نفس اللحظة التي حصل فيها الحدث، فهذا يعني أن العقل اللاواعي هو الذي يسيطر على الموقف، لأننا لم نأخذ وقتنا لنفكر – أي لم نفعّل العقل الواعي فينا.

وإلى جانب هذه الأفكار الخمسة، لن يضر أبدًا أن تستذكر بعض البديهيات المفيدة من وقت لآخر، مثلاً بديهية أن البشر لديهم أفكار وتوجهات وخلفيات مختلفة.. هممم مثلاً بديهية أنك لست الله جل جلاله وبالتالي لا تستطيع معرفة نوايا الناس وما يدور في صدورها..أيضًا بديهية أن منصات التواصل الاجتماعي ليست المنصة الأنسب لإجراء حوار عميق ذي جدوى.. يعني هكذا بديهيات..

أخيرًا، يا عزيزي، أنا متأكدة أن في حياتك الشخصية ما يستحق فعلاً “فورة الدم” و”حرقة الأعصاب” وما هو جدير بأن تصرف جهدك ووقتك إليه بدل أن تصرفه في الهجوم والتنمر على عائشة السقاف وغيرها.

كل الود،

العنود

اقرأ أيضًا

https://2mx1m.com/2020/08/08/3-%d8%b7%d8%b1%d9%82-%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a7%d8%b9%d8%af%d8%a9-%d9%84%d8%a8%d9%86%d8%a7%d9%86-%d8%a8%d8%af%d9%84%d8%a7%d9%8b-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ba%d8%b1%d9%8a%d8%af-%d9%85%d9%86/

مصدر صورة التدوينة: psychologytoday.com

انضم إلى قائمة القرّاء الرهيبين حتى تصلك مقالات مثيرة من هذه الغرفة الصغيرة!

9 ردود على “رسالة إلى الكائن المتشنج: 5 أفكار تضمن ألا “يفور دمك” عندما تتعرض لما يقوله أو يفعله الآخرون”

    1. بتنرفزني وتفور دمي رقم ٢- صاحب المحتوى ينطلق من منظور محدود
      خاصة إذا كانت بيتعلق بمحتوى مالي اوصحي لان بعض أصحاب المحتوى مو بس بيطرح محتواه أو تجربته كفكرة!! لا بيحاول يأثر على الآخرين وهذا غير صحيح لأن مو كل تجربة ناجحة لك يعني حتكون ناجحة أو مناسبة لغيرك وقد تكون كارثة لغيرك.
      الصراحة افكر جدياً اني اقفل حساباتي في السوشيال ميديا بسبب رقم 2 بس بحاول أطبق رقم 2 و 5 من نصائحك.
      جزاكي الله خيرا 🙏

  1. كلام جميل وربما كان سبب ردة الفعل هو سوء فهم المتلقي للموضوع وبخلاف ما اراد الكاتب او المتحدث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *