ماذا يعني أن تدخل في غيبوبة نيتفليكسية؟

هل وجدت نفسك يومًا في الموقف التالي:

لديك الكثير من الأعمال والأمور التي يجب عليك إنجازها، لكنك قلت لنفسك: «أستحق استراحة!»، وكمكافئة لنفسك وتحقيقًا لنبوءة الاستراحة هذه ذهبت لمشاهدة فيلم أو حلقة من مسلسلك المفضل، ثم أتبعت الحلقة بحلقة أخرى، وثالثة، ورابعة إلى أن وجدت نفسك مكوم فوق الكنبة أو السرير بصحبة الكثير من قراطيس الطعام، مذهول تمامًا لأنك لا تعلم كيف مرت الست ساعات كلمح البصر وكأنك كنت في غيبوبة.

إن كنت من الأشخاص المنجزين أو الذين يقدرون الوقت فعلى الأرجح ستشعر بالاستياء حول ما فعلته، أتفهم ذلك، وأحييك على مشاعرك الحيّة.

لكني أتساءل ما الذي يجعلنا نقع في غيبوبة كهذا؟ وأنا أسميها غيبوبة لأنها حالة من السلوك أو التصرف اللاواعي أو التخدير الذهني، وفي الحقيقة، عنونت التدوينة بالـ”غيبوبة النيتفليكسية” من باب السخرية لكني وجدت أنه بالفعل مصطلح موجود ومتداول:

قبل أسبوعين بدأت تدوينات سلسلة الانضباط، واليوم كان من المفترض أن أنشر الجزء الثالث من السلسلة، لكني لم أفعل، هل تعلم لماذا؟

نعم، دخلت هذه الغيبوبة.

بالأمس – الجمعة – قضيت ما يقارب الـ ١٢ ساعة في مشاهدة أفلام على نيتفليكس! نعم ١٢ ساعة! لم أفعلها من قبل (وأتمنى من كل قلبي ألا أفعلها مستقبلاً) لكني مندهشة تمامًا وأحاول أن أفهم ماحدث.

حوالي الساعة العاشرة صباحًا، أخذت لابتوبي واتجهت إلى سرير الوالدة (البقعة الاستراتيجية المفضلة لدي في المنزل)، بدأت في إتمام بعض الدروس المتأخرة لكورس سجلت فيه الشهر الماضي، وأثناء استماعي لأحد مقاطع الفيديو في الكورس، استشهد المدرب بموقف في فيلم “Confession of a shopaholic”، إلهي! لا أستطيع أن أشرح لك عزيزي القارئ كم “أثار قريحتي” ذكر اسم هذا لفيلم! أعنى لا أذكر آخر مرة شاهدت فيها أفلام Chick-flick أو Romance Comedy! ومن دون أي تفكير وقفت دروس الكورس (الذي ما زلت متأخرة فيه)، وفتحت نيتفليكس أبحث عن الفيلم، لم أجده لكني لم أستسلم، وشاهدت ٦ أفلام بدلاً عنه!

حرفيًا قضيت ١٢ ساعة متواصلة في مشاهدة الأفلام دون أن أنهض من السرير إلا لتناول وجبة الغداء مع العائلة، والصلاة، ووالذهاب لدورة المياه!

ولم يخرجني من هذه الغيبوبة النتفليكسية إلا صوت ماما عندما قالت: «متى حتسيبيلي السرير يا هانم؟ الساعة ١١ الليل أبغى أنام».

أعتقد أن في هذه الظاهرة أمور تتجاوز سيكولوجية وعلم جذب المشاهد، و أمور أبعد من مجرد إبداعات شركات الإنتاج الأمريكية التي “تزغلل العين” و “تدغدغ الحواس”، هناك عوامل شخصية تكمن في المشاهد نفسه، وعندما أعود وأتأمل فيما حدث بالأمس، هناك ٣ أفكار رئيسة تخطر ببالي:

١- التطرف لا يولد إلا تطرفًا

الأسابيع الثلاث الماضية كانت صعبة علي ومليئة بضغوطات العمل،كنت أعمل لساعات متواصلة لوقت متأخر في الليل، بالنسبة لي، هذه حالة متطرفة وليست طبيعية، ليس من الطبيعي أن نعمل لساعات مطولة ومتواصلة لأسابيع! لذلك لا يُستغرب هذا التطرف في وقت الترفيه كردة فعل، أعتقد أنني لو حافظت على مستوى من التوازن بين العمل والترفيه خلال الأسابيع الماضية، ما كنت سأدفن نفسي في نيتفليكس بهذا الشكل.

٢- الهروب من الواقع

أعتقد أن جزءً من نزعتنا لمشاهدة الأفلام والمسلسلات لساعات مطولة هو رغبة داخلية – على الأرجح خفية – في الهروب من واقعنا، إما هروبًا من المسؤوليات/الأعمال التي يجب أن نتمها لكننا لا نريد، أو هروبًا من مشاكلنا، أو هروبًا من طبيعة حياتنا ككل، خاصة عندما نجد أن قصة الفيلم/المسلسل أو شخصية البطل تمثل وجهاً من أوجه حياتنا، فنشعر أننا نتعامل مع واقعنا من خلال هذا الفيلم/المسلسل بينما في الحقيقة نحن نهرب من مواجهة هذا الواقع.

٣- العادات السيئة تجلب المزيد من العادات السيئة.

هناك مثل حجازي يقول «البيض الفاسد يدّحرج على بعضه» ويُذكر للإشارة إلى أن الناس السيئيين عادة يتجمعون مع بعضهم البعض، وأنا أعتقد أن الشيء ذاته ينطبق على العادات، مثلاً خلال غيبوبتي النيتفليكسية، أكلت قطعتين من سنيكرز، ونصف كيس شيبس ليز (الحجم الكبير)، شربت الكثير من القهوة، وهي كلها أشياء لا أستهلكها عادة، وأعتقد أن لو أحدًا عرض علي وقتها وجبة سريعة (Fastfood/junk food) لما ترددت في القبول بالرغم أني لا أستهلك هذا النوع من الطعام أيضًا. هذا الموقف جعلني أرى بوضوح – أكثر من أن أي وقت مضى – كيف أن العادات تؤثر على بعضها، ما كنت لأستهلك هذا النوع من الأطعمة بهذا الشكل إن لم أكن في هذا السياق الغيبوبي. والعكس صحيح، عندما نتطبع بعادات جيدة، فإنها تجلب معاها عادات جيدة أخرى، مثلاً عندما تبدأ بممارسة الرياضة، فأنت لا شعوريًا تبدأ تنتبه لما تأكله، أو عندما تستيقظ مبكرًا تبدأ تتنبه أكثر لكيفية قضاءك لوقتك، وهكذا، “العادات تجر بعضها“.

وبالرغم من أني لست فخورة من طريقة قضائي ليومي بالأمس، إلا أني أسامح نفسي على ذلك. وأعتقد أنه مهم جدًا بالنسبة لي التوقف للحظة وتوثيق هذا اليوم كمحاولة للتفكر…وربما عدم الوقوع في نفس الغيبوبة مستقبلاً.

–انتهى–

انضم إلى قائمة القرّاء الرهيبين حتى تصلك مقالات مثيرة من هذه الغرفة الصغيرة!

20 ردّ على “ماذا يعني أن تدخل في غيبوبة نيتفليكسية؟”

    1. صدقيني ما تبغي تعرفي ايش اتفرجت لوول! بس هدولا كانوا حلوين
      Spanglish
      The Sky is Pink (based on a true story)

  1. مقال رائع.. متأكد ان هالافلام اللي راحت عليها ١٢ساعة من وقتك افلام رهيبة.. منتظرين اسمائهم (؛

  2. و الله كأنك تحكي عني قبل شهر صارت معي نفس الحادثة لكنها طبعا اقل منك بعدد الساعات 😂 لكن صرت بحالة ادمان متى ارجع للبيت او احصل وقت فراغ حتى اكمل المسلسل حتى كنت بالمكتبة انجز ساعة و ساعتين اكمل المسلسل و المشكلة يزيد الاستياء النفسي و الضمير بعدين حلفت مااشوفه و الحمدالله نفع.
    اعتقد تحدث هذه الظاهرة بسبب الهروب من المسؤوليات

  3. يااااااااه
    قبل أسبوعين من الآن كنت يدوووب اللقى وقت للنوم
    معلمة وزوجة ومسؤولة عن والدي …
    وياااااااااااه سافر والداي ورجع زوجي لدوامه وأنا علقوا المدرسة
    وقت فرااااااااغ كبير وسعادة بحجم السماء
    تطرفي كان من نوع أخر
    اهملت كثير مواهبي ورجعت لها بحب
    حتى لبسي غيرته
    من وناستي بالوقت المتاح لي ابداً كنت أرقص بدل ماأمشي🥺🥴😂

  4. حبيت تحليلك لما حدث لك و محاولة الفهم بدل الاستياء⁦❤️⁩
    مع التزام المنازل المتزامن مع انتشار ڤايروس كورونا ممثل إحدى القنوات كان يروج لهذا النوع من الغيبوبة للتعامل مع الوقت الذي تقضيه في المنزل (Binge Watching) و استشهد بعدد من الفنانين لتطبيع الفكرة و إنه( لست وحدك من تقوم بهذا) !!
    أنا شخصيًا وقعت في هذا الفخ عدة مرات لكني ضد التطبيع معاه كنوع مستساغ و مقبول لهدر الوقت بشكل مستمر.

  5. المضحك أن السلسلة التي بدأتيها تتحدث عن الانضباط:)
    وهذا دليل عملي أنه مهما حاولنا جاهدين أن نكون منضبطين، فلا بد أن يأتي وقت نفقد فيه هذه القدرة، ونتصرف بجنون!
    شكرًا لك.

    1. بالضبط، الصراحة كان لدي فرصة في صباح السبت أن أكتب الجزء الثالث من سلسلة الانضباط، لكن كان يهمني أن أشارك ما حدث معي بصدق بدلاً من إدعاء أني “رهيبة ومنضبطة”

  6. مقال رهيب وبالفعل!، البداية الصحيحة تلزمك بالحفاظ على النهاية الصحيحة. ولكن إذا بدأت يومك بشكل غير صحيح تستسهل عملية ضياعه في منتصف اليوم أو آخره. يقابلها في ذلك – تجربة شخصية – إذا حصلت على دورة أو تعلمت مهارة جديدة أشق طريقي لما بعدها وكأن حياتي تعمل على ” تعلم المهارات النشط ” والعكس كذلك. وقت ما تفشل في مهارة – وهذا تدخل فيه تفاصيل كثيرة – تجد نفسك تميل إلى إعلان الاستسلام عن تعلم كل مهارة جديدة ستمر عليك لاحقًا والمتحطمين من اللغة الإنجليزية والطبخ .. أمثلة مشاهدة من قبل الجميع كما أعتقد!.

    – بانتظار السبت القادم!.

  7. الموضوع وتحليلك للغيبوبة النتفليكسية عجبتني كتير
    بنتي مرت بهي الغيبوبة وانا اتركتها لتطلع منها وبالفعل نتيجة الضغط بحاجة الواحد لكسر العادات والقواعد ليشوف حالو وين هو وشو عم يشتغل والعائد ويمكن هلق نتيجة الكورونا رح نعمل غيبوبة عن العالم
    شكرا الك ومحبتي وتقديري لعملك

  8. >>العادات السيئة تجلب مزيداً من العادات السيئة
    هذه المقالة أعجبتني حقاً، علي أن أنتبه لها في تربية أبنائي حتى لا ينزلقوا إلى عادة سيئة واحدة فتنفتح عليهم باقي العادات

    سمعت بشبكة NetFlex لم أعتقد أن الموضوع يصل بالناس إلى هذا اﻹدمان، يجب علينا الإنتباه له

  9. أعتقد أن هناك سبب رابع، لا أعلم هل يشملكِ أم لا.. ولكن حينما أشعر بإثارةٍ أقل للواقع، ألجأ لإضافة بعض الحماس من الأفلام/الروايات..

    يعني، قد تحدث لي غيبوبة نتفلكسية بسبب أنني “مللت” من مَهامي. وهذا الأمر يختلف عن السبب الأول الذي أوضحتيه “التطرف”. لأنه حتى لو حافظت على مستوى جيد من الروتين الجيد، فبمجرد أن أترك نفسي ولو قليلًا، في أي وقت، سأجدُ نفسي منجرفًا وراء الأفلام لأيام!!
    —-
    عمومًا، شكرًا على مشاركتك!

  10. *تنهيده*
    من أسوء الأشياء اللي تدمرني نفسيا هي الغيبوبة النتفلكسية سواء بسبب نتفلكس او بسبب أي موقع اخر
    وبسبب قباحة الحالة النفسية بعد الغيبوبة اتخذت قرار من سنة تقريبا وهو حذف كل وسائل التواصل اللي كنت أنجرف فيها لساعات بدون وعي عشان فقط كنت ابغا اشيك على حاجة وحدة – إضافة إلى أسباب أخرى –

    وكان أصح وأعظم قرار اتخذته ف حياتي
    وبالنسبة لنتفليكس قررت ما اتابع افلام/مسلسلات جديدة، اخترت مسلسلات سبق شفتها في حال احتجت ارفه عن نفسي

    ومن طرق تعاملي مع فكرة التطرف يولد تطرف هو إنه لو حصل ومريت بفترة منهكة من العمل أسمح لنفسي وانا بكامل قواي العقلية اني ادخل غيبوبة نتفلكسية ولو حصل ان الغيبوبة فرضت نفسها قبل ما اسمح لها ،، برضو أسامح نفسي وتكون قباحة الحالة النفسية أخف

    شكرا لك العنود
    شكرا لمدونتك
    شكرا لوجودك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *