هل سبق وأن عشت أي من الحالات التالية؟
أ) أنت في اجتماع عمل وتريد أن تقول رأيك لكنك تشعر أن كل من حولك أكثر ذكاءً منك وأكثر خبرة، فتختار ألا تشارك رأيك لأنك تخشى أن تظهر كغبي وتتعرض للانتقاد
ب) تريد أن تبدأ مشروع أو هدف جديد، لكنك تختار ألا تفعل ذلك لأنك تخشى الفشل
ج) أنت في حفلة أو تجمع ما وهناك شخص أو مجموعة أشخاص تود التعرف عليهم والحديث معهم، لكنك بدلاً من أن تذهب إليهم وتقدم نفسك تختار أن تجلس مكانك لأنك تخشى أن تُواجه بالرفض
د) تعاني من مشاكل صحية، ولا تريد الانخراط في التزامات معينة مجهدة مع بعض أفراد العائلة أو الأصدقاء لأن حالتك الصحية لا تسمح، لكنك تستمر في المجاملة على حساب صحتك لأنك تخشى أن يشعروا تجاهك بالشفقة
هـ) تريد أن تجرب لون أو شكل ثياب جديد، يعجبك كثيرًا، لكنك تغير رأيك لأنك تخشى أن تتعرض للسخرية
أعتقد أن جميعنا يمر بمواقف مشابهة كل يوم، حيث نجد أنفسنا أمام خيارين: ١) أن نخاطر ونفعل مانريد لأن نصل لغاية معينة، أو ٢) أن نهرب مما نتمنى فعله/قوله/تجربته لأننا لا نريد أن نتعرض للأذى النفسي الناتج عن الانتقاد، والفشل، والرفض، والشفقة، والسخرية ومشاعر الخزي والعار.
لكن هل تعلم ما الخيار الذي يلجأ إليه معظم الناس؟ نعم…الخيار الثاني، غالبية الناس على هذا الكوكب تختار عدم المجازفة في معظم مواقف حياتهم، وهذا أمر طبيعي جدًا لأن التعرض لهذا الأذى النفسي مؤلم…مؤلم جدًا، وأدمغتنا مصممة بطريقة تحمينا من كل أذى.
أفضل مصطلح يوصف ما نمر به في مواقف كهذه هو (Vulnerability)، لا أظن أنه توجد ترجمة عربية دقيقة حتى الآن تحاكي هذا المفهوم، لكن أقرب ترجمة قد تكون «الإحساس بأنك مكشوف»، أو ما قد يسميه البعض «التكشف العاطفي»، ويعني أن تكون في حالة تُعرِّض فيها نفسك لأن تكون ضعيف وتُؤذى سواءً نفسيًا أو حتى جسديًا، بالنسبة لي أقرب صورة تجسد هذا المفهوم أو الحالة هي شخص وجد نفسه عاريًا تمًاما أمام الناس، هذه هي الـ Vulnerability.
في آخر عرض لها على نتفليكس تحدثت بيرني براون، خبيرة التكشّف العاطفي، أنه بناءً على الأبحاث والدراسات التي أجرتها على مدى ٢٠ سنة لا يُعرّف التكشّف بأنه حالة ضعف، بل بالعكس تمامًا هو أدق طريقة لقياس الشجاعة، وأن الباحثين يقيسون مدى شجاعة شخص ما بقدر اختياره لأن يكون في موضع تكشّف، لأنّ في ذلك اختيار للمواجهة بدلاً من الهروب، في الوقت ذاته تؤكد أن لهذه الشجاعة ثمن فتقول:
«إذا كنت شجاع مع حياتك، تختار أن تكون في الميدان، ستتلقى الركلات [تتعرض للأذى]، ستقع، ستفشل، سينفطر قلبك».
وتتابع «هذا قرار اتخذه كل يوم، كل يوم قبل أن تلامس قدماي الأرض أقول: اليوم سأختار الشجاعة على أن أبقى في منطقة الراحة».
أعلم أنك الآن على الأرجح تتساءل “ولكن لماذا علي أن أختار التكشّف والمجازفة إذا كان ذلك سيجلب لي كل هذا الألم؟! لماذا علي أن أعرّض نفسي للأذى وأدع الجميع يرون ضعفي؟! والإجابة هي أنه إذا أردنا أن نصل لغايتنا، وأن نعيش حياة مليئة بالحب والرضا والمتعة، علينا أن نختار أن نكون مكان الشخص الذي وجد نفسه عاريًا أمام الجميع، فكر في جميع الشخصيات التي تبهرك وتنظر لها بعين الإعجاب والتقدير، تأمل القرارات التي اتخذوها في حياتهم ليصبحوا على ما هم عليه اليوم، ألا تظن أن قرارتهم تلك أتت من موطن شجاعة ومجازفة لا من موطن هروب إلى منطقة الراحة؟
ليصبح الفنان فنانًا هو مضطر لأن يتكشّف، أي يعرض نفسه للأذى النفسي المحتمل الذي قد يشعر به إذا ما قوبلت أعماله الفنية بالرفض أو السخرية، ليصبح شخص ما سعيد ومرتاح نفسيًا هو مضطر لأن يعرض نفسه لاحتمالية الاحساس بالفشل والخوف من الوحدة التي ستصاحب قرار إنهائه علاقة مؤذية مثلاً، ألا ترى معي أن الحياة صممت بطريقة تضطرنا إلى هذا التكشف والتعري لنصل لغاياتنا؟
دعني أبوح لك بسر، في كل مرة أكتب فيها مقال وأنشره، أشعر أني أتعرى أمام الناس، أشعر بالخوف من السخرية، من الرفض، من الانتقاد (وليس النقد)، من الشفقة (خصوصًا من أولئك الذين يعتقدون أني “أضيع حياتي” على أشياء سخيفة في حين يمكنني أن أكون في مناصب فخمة!)، وبالرغم من أنني أكتب في هذه المدونة منذ ٢٠١٦، إلا أنني لا أزال أعيش هذه المشاعر المؤلمة -حرفيًا- في كل مرة أقرر أن انشر فيها مقال، ومع ذلك أختار أن أستمر في التدوين لأن العائد الذي أجده من نمو شخصي، واتصال وجداني عجيب مع قراء لا أعرفهم ولايعرفوني، ومتعة تصاحب عملية الكتابة، يفوق الألم الذي يرافق تكشّفي من خلال التدوين.
أختار المجازفة لا الهروب، أختار أن أعيش الحياة بكل ما أوتيت من شجاعة، أختار أن أكون في الميدان، باختصار: أختار أن اتكشف وأتعرى أمام الناس…
–انتهى–
*صورة المقال: لوحة Blue Nude للرسام الأسباني بابلو بيكاسو
انضم إلى قائمة القرّاء الرهيبين حتى تصلك مقالات مثيرة من هذه الغرفة الصغيرة!
اتوقع شعور التعري اللي تحسي بيه وقت ماتنشري مقالات كل الناس تتعرض لها زي ماكتبتي لكن انتي واجهتي ده الشي وسويتي الشي اللي تحبيه (اتعريتي بالشي اللي تحبيه) وانا كمان في فترة اتعريت وانكشفت قدام الغير لكن بالشي اللي ابغاه، وإذا كان بعض الأوقات اتعريت بشي ماكنت احب انه يظهر للغير لكن ده الشي خلاني حريصة اكتر، وبس انا احببببك
اعتقد ان الانسان الذي مممن انه سيخوض مثل تلك الظروف لابد انه يحون لديك المعرفة المافية من الفكرة التى سيقدم عليها وعنده تمام القناعة انه سيصل للهدف المحدد .
تحية طيبة ..
مفهوم ال
vulnerability
يحتاج فعلا ترجمة عربية ، قرأت مجموعة من كتب برينيه براون .. واستوقفني المفهوم كثيرا لاني لم اجد كلمة عربية تعبر عن عمقه .. وكنت قد كتبت ملخص لكتابها daring greatly وترجمت المفهوم ب
(قابلية الأذى او التأذي) .. لكن (التكشف العاطفي) ايضا تبدو ترجمة معبرة ..
لكن المقلق – بالنسبة لي- هو مفهوم التعري بين ثقافتين .. واظن ان وصف التعري مبالغ فيه .. فالمطلوب هو اظهار وجهك الحقيقي بكل ما فيه من كمال ونقص .. جمال وعيب .. وتقبله وحبه ابتداء .. والشجاعة في السير امام الناس به .. وجهك الحقيقي وليس وجها مستعارا .. هذه هي الفكرة في رايي ..
اما كلمة التعري قد تحمل معان مرفوضة .. خصوصا في ثقافتنا .. لان الستر قيمة .. افهم ان الحديث عن تعري النفس وليس الجسد .. لكن لا ارى ان الكلمة مناسبة .. قد يتعرى المرء وينزع الاقنعة التي يرتديها لكن ليس هذا هو الهدف، بل الهدف ان ترى نفسك وتتحسس وجودك، ان تكون مرئياً ..
المراد: ان ترى وجهك بصدق وتتعرف عليه وتقبله وتحبه، وربما تخلق الوجه الذي تريده .. وتسير به امام الجميع .. لا ان تكون عارياً بل مرئياً لنفسك اولا ثم للجميع ..
دمت بخير
“وبالرغم من أنني أكتب في هذه المدونة منذ ٢٠١٦، إلا أنني لا أزال أعيش هذه المشاعر المؤلمة -حرفيًا- في كل مرة أقرر أن أنشر فيها مقال، ومع ذلك أختار أن أستمر في التدوين لأن العائد الذي أجده من نمو شخصي، واتصال وجداني عجيب مع قراء لا أعرفهم ولا يعرفوني، ومتعة تصاحب عملية الكتابة، يفوق الألم الذي يرافق تكشّفي من خلال التدوين.”
هذا النص لامسني بشدة ووصف شعوري منذ بدايتي في التدوين ونشر أول تدوينة عام ٢٠١٦ ..
شكرا لك يالعنود على هذه التدوينة الرائعة ، ودمت بخير ..
العفو حمزة، كل الود
رائع
اريد ان كاتبه مثلك وتردد رغم عندي أفكار ومدونات هل ممكن مساعدتي لنشر
اريد التواصل معك 😊
أمس قبل لا أنام كنت أشاهد مقاطع لـ بيرني واليوم حصلت على رابط من مدونة مختلفة يشير إلى مقالك . أنا سعيدة لهذه الصدف الجميلة التي أوصلتني مرتين هناك . شكرا العنود لأنكِ تختارين مواضيع مهمة وتكتبينها بإسلوب رائع .
أؤمن أن هذه الصدف هي في الحقيقة رسائل من الله
تكمن دلالاتها على أن تستمري في المجال أو الرسالة المتكررة
شكرا شكرا قرأته في الوقت المناسب 😢
نتعلم منك الكثير في نواحي كثيرة ..
سعيد لأن الحظ دفعني للعثور على مدونتك الرائعة منذ فترة …
وسعيد أيضاً لأني احتفظت بها في المفضلة عندي ولم تمر مثل الكثير من المدونات …
سعيد جداً لأن شخصك يعطينا من وقته وجهده وفكره … يتكرم علينا بكل ذلك …
في الحقيقة …
أتمنى لو أصبح ماهر مثلك بهذه القدرة والمهارة التي تستطيعي الوصول فيها إلى وجدان القارء
كل الشكر لك ..
شكرا لك على كل هذا الكرم يا أشرف