هل توجد بينك وبين «ماليفيسنت» صلة رحم؟

الكثير منا يعرف قصة الأميرة النائمة، وكيف أن «الشريرة» ماليفيسنت خطفتها من أبويها وألقت عليها تعويذة لتكون حبيسة النوم مدى الحياة، كبقية القصص الأسطورية، من السهل جدًا معرفة البطل الخيّر من الشرير السيء، لكن في ٢٠١٤  قامت شركة والت ديزني بإعادة إنتاج القصة لتحكي قصة ما قبل القصة؛ أي قبل أن تخطف ماليفيسنت الأميرة، فيجد المشاهد أن هذه الشريرة كانت بريئة ومسالمة، لكنها في أحد الأيام تعرضت للغدر من أكثر شخص أحبه قلبها، تألمت كثيرًا وجرحت جرحًا عميق لم يلتئم مع الوقت، وبذلك تشربت روحها الغضب، وأصبحت الساحرة الشريرة التي نعرفها في قصة الأميرة النائمة.

لكن ألا تبدو لك هذه القصة مألوفة؟ لا؟ حسنًا سأقرب المسألة وأحكي لك عن اليوم الذي اكتشفت فيه أنه تربطني شخصيًا صلة قرابة بمالفيسينت..

في أسرتنا الممتدة يوجد شخص معروف بكلامه الجارح وابتزازه اللفظي للجميع دون استثناء: صغارًا وكبارًا، لدرجة أنه دائما ما يتم تحاشي دعوته إلى المناسبات العائلية خشية أن يفسدها بحضوره الذي عادة ما يجلب المشاكل والنكد للحاضرين.

لم أنفك عن محاولة فهم لماذا يتصرف هذا الشخص بهذه الطريقة من إيذاء للآخرين، خصوصًا أنه يتعمد فعل ذلك بالرغم من إدراكه أن ذلك يؤذي المُتلقي! لكني في النهاية استسلمت وقررت منذ عدة سنوات أن أتوقف عن التعامل المباشر معه لكي «أشتري راحة بالي»، لكني التزمت بالتواصل معه عبر الواتس آب للتهنئة بحلول شهر رمضان وعيد فطر وعيد الأضحى من باب تأدية واجب صلة الرحم.

وفي أحد الأيام، كنت أتحدث مع سيدة من كبار العائلة عن ذكريات الطفولة والمراهقة، فحكت لي قصة عن هذا الشخص الذي يكاد يبغضه الجميع، كانت قصة لم أسمعها من قبل، عرفت من خلالها أن هذا الشخص عاش حياة صعبة جداً في طفولته وشبابه، مُنع من أن يتزوج من كان يحب، وعانى من معاملة قاسية من عائلته حرمته من أن يعيش شبابه كبقية إخوته، تأثرت بل تألمت كثيرًا عندما سمعت تلك القصة، وتمنيت لو أنني سمعتها منذ زمن فقد جعلتني أغير نظرتي ومشاعري تجاه هذا الشخص ١٨٠ درجة.

سارعت بالتواصل معه لأطلب منه لقاءً بعد انقطاع حوالي سنة، في اليومين التي سبقت موعد لقاءنا،  كنت أشعر بالقلق والتوتر، فلم أكن مستعدة للتعرض لأي أذى لفظي من هذا الشخص ثانية، ولم أعلم كيف ستكون ردة فعله عندما يلقاني بعدما ما اخترت الانقطاع عن التواصل معه لفترة طويلة.

بالرغم من القلق الذي كان يعتريني، قررت أنني سأكون متسامحة مهما حصل، قررت ألا أشعره إلا بالحب، وأنه مهم في حياتنا وأنه محترم ومقدر بالرغم كل الأذى الذي رأيناه منه، وحين كانت لحظة اللقاء، هل تعرف ماذا فعل؟ شدني إليه وضمني كما لم يفعل من قبل! لم يقل الكثير لكن عيناه أوحت أنه كان سعيداً جدًا بلقائي، استقبلني بكل الحب واللطف والكرم، لا أعلم كيف حدث ذلك، هل لأنني ضبط عقلي أن يرى هذا الشخص بشكل مختلف، أم أن روحي التي اختارت التسامح والتعاطف سبقتني إليه وأفشت إليه بنواياي.

أخذت بالتردد على هذا الشخص ولقاءه بشكل دوري، وكل ما كنت أفعله هو التأكيد بصدق له على أنه محبوب ومقدر لذاته بغض النظر عن كل ما بدر منه سابقًا.

هذا الشخص في نظري لا يختلف عن ماليفيسنت، كلنا اعتبرناه «شريرًا»، وإن قام بإلحاق الكثير من الأذى بالآخرين، فقد كان هذا نتيجة ألم عميق تعرض له في الماضي ولم يجد السبيل ليتشافى منه فخرج على هيئة هذا الغضب المؤذي، أو ربما الخوف من الوحدة أو الخوف من عدم الشعور بمحبة وقبول الآخرين.

الآن علاقتي بهذا الشخص تغيرت تمامًا، بعض المقرّبين لازالوا لا يفهمون هذه العلاقة الجديدة أو حتى يستنكروها، ولا عجب في ذلك، فهم لا يرون من قصة ماليفيسنت إلا لحظة اختطافها للأميرة ويغضون البصر عن اللحظة التي غدر فيها بها حبيبها وسرق منها أجنحتها..

images

أعلم أن إعادة تعريف القصص بهذا الشكل هو أمر غير مريح، كيف لا وهي تضعنا في مأزق يصعب علينا تصنيف الناس فيه إلى “كويس”، “بطّال”، “نحبه”، “ما نحبه”، فنحن عادة لا نريد مواجهة حقيقة أن الأمور أكثر تعقيدًا من يا “أبيض”، يا “أسود”، خصوصًا إن جعلنا ذلك نستوعب أننا جزء من المشكلة ونتحمل جزء من المسؤولية، بل ويزداد الأمر سوءاً عندما تضطرنا إعادة تعريف قصص الآخرين إلى أن نعيد تعريف قصصنا نحن ونجد أننا لسنا دائمًا في خانة “الخّير” أو “المظلوم” كما نحب أن نصور لأنفسنا.

لذلك، إن كانت تربطك صلة رحم أو معرفة بماليفيسنت، أدعوك أن تعطيها ونفسك فرصة أخرى، وأعتقد أنه لايوجد توقيت أفضل من هذا لإعادة تعريف القصص!

 

–انتهى–

 

انضم إلى قائمة القرّاء الرهيبين حتى تصلك مقالات مثيرة من هذه الغرفة الصغيرة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *