كشخص مهتم بالكتابة والتدوين كأحد أشكال التعبير، دائمًا ما يشغل ذهني سؤال «إلى أي مدى يمكن أن يكون الشخص صادقًا في تعبيره؟» ويتبع هذا سؤال آخر «ما مقدار الشجاعة التي يتطلبها التعبير بصدق؟»، ويأتي سؤال ثالث «كيف تكون صادقًا في تعبيرك دون أن تخلق تبعات سيئة، كأن تؤذي شخصًا من خلال ما تقول/تفعل أو تجلب لنفسك “وجع دماغ” على هيئة ردة فعل ممن تلقوا التعبير الذي طرحته؟» . الموازنة بين هذه الأمور الثلاثة عبارة عن مهمة صعبة، وربما أحيانًا تجعلنا نهون عن القيام بالأمر برمته، سواء كان تدوين أو غيره من أشكال التعبير عن الأفكار والمشاعر.
في كل مرة أكتب، أحب أن أضع صورة بينوكيو، الدمية الخشبية، نصب عيني – ذهنيًا . أعتقد أن بينوكيو رمز ممتاز للصدق، فالدمية الخشبية كل ما أرادته هو أن تصبح “إنسان” من لحم ودم، وجزء جوهري في عملية التحول هذه هو أنه تكون صادقة، إلا أن بينوكيو كان محظوظًا جدًا، لأنه في كل مرة يكذب، يطول أنفه، وبالتالي هذا مؤشر محسوس وواضح يحرج الشخص مع نفسه ومع الآخرين لأنه يعلن صراحة أن هناك خطب ما. من سوء حظنا نحن أننا ليس لدينا هكذا مؤشر واضح، وبالتالي في كثير من الأحيان يسقط الكذب إلى متن التعبير “سهوًا”، إلا أنني أعتقد أن هناك مؤشر قوي كقوة أنف بينوكيو بالرغم من أنه ليس محسوس أو مرئي، ألا وهو تلك الوخزة القلبية، أو الانكماشة الصدرية التي تذكرنا أن هناك خطب ما وأننا من الأفضل أن نتراجع ونعيد النظر فيما نحاول قوله/فعله.
لكن أن الصدق ليس وحده من حول بينوكيو من خشبة إلى إنسان. كانت هناك الشجاعة – وهي ما تسبق الصدق – وكانت هناك عدم الأنانية – وهي من وجهة نظري ما يقود الصدق ويوجهه ليكون بناءً لا هدّامًا.
أحب هذا المشهد من فيلم بينوكيو، الذي تأتي فيه الجنية وتمد الدمية بالحياة، فيسألها بينكيو بعد أن أدرك أنه يسطيع الكلام والحركة: «هل أنا صبي حقيقي؟» فتجاوبه: «لا، الأمر يعتمد عليك لتحقق ذلك، عليك أن تثبت أنك شجاع، صادق، غير أناني، عندئذ ستصبح صبيًا حقيقيًا في يوم ما» و تكمل الجنية: «عليك أن تختار بين الصواب والخطأ» فيتساءل بينوكيو: «ولكن، كيف أفرق؟»، فترد: «ضميرك سيقول لك»، لكنه يتساءل مرة أخرى: «وما هو الضمير؟»، فيتدخل الصرصار الحكيم مجاوبًا: «الضمير هو ذلك الصوت الساكن الصغير الذي يتجاهله الناس»..
ممتنة لأنف بينوكيو الذي يذكرني أن أستمر في محاولة الكتابة والعيش بدون “أنف” أو على الأقل بأنف قصير جدًا.
— انتهى —
مصدر صورة التدوينة: film.it
انضم إلى قائمة القرّاء الرهيبين حتى تصلك مقالات مثيرة من هذه الغرفة الصغيرة!