سُئلت أكثر من مرة “ما جدوى تعلم الخط العربي وكل شيء في العالم أصبح أو سيُصبِح إلكترونيًّا!؟”، حسنا هناك جوابان، الجواب القصير هو أنه لا شك في وجود علاقة مابين استخدام المعصم في الكتابة وتحسين عمليات الدماغ ويمكنك بضغطة زر سؤال السيد جوجل عن دراسات حول هذا الشأن.
أما جوابي الطويل (وأنا أتحدث تحديدًا عن ممارسة الخط كفن) هو أن قيمة الخط العربي لا تكمن في الوصول إلى منتج جمالي فني فقط بل في الرحلة التي يخوضها الخطاط.
شتان الفرق بأن تنتج “لوحة” عبر نقرات أزرار في ساعة أو اثنتين، وبين أن تصنعها في ١٠ ساعات أو أيام أو حتى أسابيع وأنت تأذن لروحك بأن تنسكب وتمتزج بحبرك، تمسك القلم وكأنك تمسك مصحفاً، تخاف أن تجرح الورقة وكأنك تخاف أن تجرح مشاعر من تحب، تحبس أنفاسك مع نزولك بالكشيدة، تسمع نبضات قلبك تتسارع عندما تصعد بأصابعك مع الانحناءات، تنتشي عندما تتحول من الجليل إلى الدقيق بكل سلاسة، تُحبط لأن عليك إعادة الجملة كاملة للمرة المائة والستين فقط لأن هناك حرف واحد لم يرقى لمنزلة الكمال التي يوهمك عقلك بوجودها، تدمع عيناك عندما ترى لوحتك وقد انتهت وكأنك ترى مولودك الجديد لأول مرة بعد شهور من الانتظار.
الخط كبقية الفنون هو تجربة روحية وجودية قبل أي شيء آخر، السر فيه الرحلة لا محطة الوصول (إن كان هناك وصول أصلاً!)، كلما طالت رحلتك، كلما هُذّبت نفسك وتسنى لها أن تتذوق بعضًا من النفحات البرزخية التي تمكنك من إنتاج شيء لن تتمكن أي آلة من إنتاجه!
لن تستطيع الآلات التي تختصر الجهد والوقت أن تعطينا رحلة كهذه، ومهما طغت التقنية على نمط حياتنا بل وحتى إن انهار العالم كله من حولنا سيظل الإنسان يبحث عن رحلة، عن معنًا، عن الجمال..
–انتهى–
♡♡♡♡