قبل أكثر من سنة قابلت فتاة – سأدعوها غِنى- في عمر ال ١٤ سنة تقريبًا، بدأت في تعلم الخط الديواني الجلي، غِنى فتاة رائعة وتتشوق لتعلم الجديد، لكنها كانت دائمًا تضجر وتشتكي وتستمل صعوبة الخط، حتى قبل أن تمسك بالقصبة (القلم) وتجرب بنفسها! إضافة إلى أنها لم تتوقف عن قول: هذا صعب، أنا لا أستطيع، هذا مستحيل! وبطبيعة الحال هذا المزاج كان منعكسًا على شكل حروفها، فلم يكن رسم الحروف أو أبعاده صحيحة.
مؤخرًا قابلت غِنى في جلسة تدارس لخط آخر جديد، لكن هذه المرة كان هناك شيء مختلف تمامًا، فبعد ١٠ دقائق فقط من مشاهدتي لتمارين خطها، شعرت أني أمام شخص آخر لا الفتاة التي عرفتها قبل سنة!
هذه المرة كان خطها يفيض بالطمأنينة، راكز على السطر، ثابت في تحركه، كان جميلاً جدًا بالرغم من أنها المحاولات الأولى! والأهم من ذلك كله لم أسمع لها صوتا يتشكى أو يقول “مستحييييل”! كانت غارقة في ملكوت ما، هادئة هدوء فاتن! سألتها ممازحة “من أنتِ؟!”، “ماذا حدث لك منذ آخر مرة قابلتك فيها”، قالت بصدق “لا شيء! ربما لأنني كبرت؟”
بعد فترة كنت أتحدث مع إحدى الصديقات، واكتشفت السر وراء تغير غنى! قالت لي صديقتي أن غنى كانت في رفقة فتاة أخرى تملك الكثير من الفن والحكمة، تعلمت غنى من هذه الفتاة ممارسة الفنون والتفكر والتأمل مما جعلها أكثر نضجًا، والمثير للاهتمام أنها أصبحت لا تفوت مشاهدة شروق وغروب الشمس كل يوم!
كل هذه التغيرات، كل هذه التجارب، كل هذا الصفاء الذي عايشته غِنى خلال سنة، وجدتُه منسكبًا على ورقة تمارينها، بل معجونًا بحروفها التي خَطَت..
مذهل كيف للخط أن يخبر عننا الكثير دون أن نتحدث.
الصورة التقطها لغروب بديع لشمس مدينة جدة، ٢٠١٨
—انتهى—
انضم إلى قائمة القرّاء الرهيبين حتى تصلك مقالات مثيرة من هذه الغرفة الصغيرة!
ما شاء الله ، من أحسن المدونات التي عثرت عليها
جمعت فأوعت
شكرًا لك محمد
“مذهل كيف للخط أن يخبر عننا الكثير دون أن نتحدث.”