Alanoud
العنود الزهراني

«من نحن سوى القصص التي نحكيها لأنفسنا وعن أنفسنا ونؤمن بها» الروائي سكوت تورو

  يعج الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بنصائح حول تسويق الأعمال المستقلة، فهذا يقول لك عليك أن تنشر محتوًا دوريًا يعكس خبراتك، والآخر يقول لك عليك أن تنشئ صفحة ويب تعرض عليها خدماتك لاستقطاب العملاء المستهدفين، والثالث يؤكد على  أهمية التحلي بالثقة. لكن ماذا عن التسويق الذاتي المتعلق بالحصول على فرص وظيفية أفضل، خاصةً في الوقت الذي أصبح فيه التنافس عليها محتدم؟ عند استهداف شواغر أو فرص وظيفية معينة، هناك طريقتان رئيسيتان ومباشرتان ستعينانك في مهمتك: السيرة الذاتية، وصفحة اللينكد إن. السيرة وما أدراك ما السيرة قد يقول البعض أن السيرة الذاتية غير فعّالة ولا فائدة منها في هذا الزمن، فلا يستطيع أحدهم أن يتعرف على مهارات الشخص وما يمكنه فعله إلا عند التحدث والتواصل معه بشكل مباشر من خلال المقابلة الشخصية، هذه الفكرة صحيحة جزئيًا، ولكن ما يُغفل عنه هنا هو حقيقة أن مسؤولي التوظيف يحتاجون إلى وسيلة أولية لتصفية الأعداد الكبيرة من المرشحين المتقدمين، وهنا تأتي أهمية السيرة الذاتية حيث أنها بطاقتك لحجز مقعد في ساحة المقابلات الشخصية. حتى مسؤولو التوظيف الذين يستقطبون عن طريق موقع لينكد إن، فإنهم بعد التواصل مع المرشح يطلبون منه إرسال سيرته الذاتية. التحجج بعدم فاعلية السيرة الذاتية غير مجدي، المجدي هو فهم كيفية عمل سوق العمل المحلي حاليًا، على الأرجح ستأتي وسيلة بديلة للسيرة الذاتية مستقبلاً، لكن حتى ذلك الوقت، من الحكمة أن نستغل الأدوات المتاحة لنا أفضل استغلال لنصل إلى أهدافنا المرجوة. التذكرة والقصة إذا افترضنا أن وظيفة السيرة الذاتية أشبه بـ “تذكرة” تخولك للحصول على فرصة لقاء شخصي مع الجهة الموظفة، فهذا لا يعني أن تذكرتك ستخولك للدخول بالضرورة، فقد تكون منتهية الصلاحية، أو أنها تحاكي طبيعة عمل غير الذي تقصده، أو الأسوأ من كل ذلك أن تكون مجردة ورقة بالية لا تصلح بأن تكون تذكرة دخول. السيرة الذاتية التي تخولك للحصول على فرصة مقابلة شخصية هي التي تروي قصة مهنية جيدة عنك، والذي أقصده بـ”قصة مهنية” هو الإنجازات، و”المغامرات”، والمحاولات، والتدرج، والتطور، والأهم من ذلك كله، الجانب المهني من شخصيتك، القصة المهنية هي مجموع هذه العناصر بالإضافة إلى الطابع البصري المتمثل في ترتيب وتنسيق وتصميم السيرة والألفاظ المستخدمة فيها. سيرتك الذاتية تروي قصة ما عنك سواء اخترت أن ترويها أم لا، مثلاً إن وضعت كل خبراتك بغض النظر عن طبيعة الوظيفة التي تسعى للحصول عليها، فقد يقول ذلك عنك أنك مشتت، أو غير فاهم لطبيعة هذا المنصب، إذا كانت سيرتك عشوائية، مليئة بالأخطاء، التنسيق فيها غير موحد، فهذا قد يروي قصة عنك بأنك شخص كسول، لا يعتمد عليه، أو عجول لا ينتبه للتفاصيل، أما إذا كانت سيرتك تسرد أهم الخبرات التي تعزز هدف ما، ألفاظها منتقاة بعناية، تركز على جوانب من شخصيتك تتسق مع الشاغر المعروض، فعلى الفور هذه السيرة تقول أنك شخص محترف، متقن، وقد تكون مناسب للشاغر. قصتك المهنية التي تسردها من خلال السيرة قد لا تحتوي على الإنجازات فقط بل حتى الإخفاقات أو قصص “الفشل” مثل المشاريع التي لم تنجح، فهذه إذا صيغت بطريقة ذكية يمكن أن تقول الكثير عنك، مثل أنك شخص صقلته التجارب و”الدقدقة” المهنية، خاض وتمرّس وحصد مخرجات مثرية معينة. تصنيف غير موضوعي للسِيَر الذاتية بحكم طبيعة عملي قمت بمراجعة مئات السير الذاتية خلال السبع سنوات الماضية، فمن جهة كنت أعمل مع شركات توظيف عالمية لاستقطاب الكوادر كجزء من عملي في مجال الاستشارات الإدارية، ومن ناحية أخرى بدأت عمل جانبي مع إحدى صديقاتي في ٢٠١٩، أطلقنا عليه «كامن» (kaminsa.com)، نقدم من خلاله خدمات كتابية استشارية تساعد المهنيين على إبراز قدراتهم الكامنة وإنجازاتهم المهنية عبر بناء سير ذاتية احترافية، ونبذ شخصية، ورسائل تعريفية، وصفحات اللينكد إن. بناء على جودة السير الذاتية التي رأيتها خلال هذه السنوات وتواصلي المستمر مع تنفيذين في مجال الموارد البشرية والتوظيف، أستطيع القول بأن معظم الناس لا يعرفون كيف يبنون سيرة ذاتية احترافية، وهذا إما لأنهم لم يستوعبوا مدى أهميتها، وبالتالي لم يستثمروا فيها الجهد والوقت المطلوب، أو أنهم لم يدركوا أنها “فن” و”علم” وليست مجرد قالب مجاني يُحمّل من قوقل، أو نسخ ولصق – أو بالأحرى سرقة – لسيرة أحد الأصدقاء. حتى أقرب لك الصورة، عزيزي القارئ، دعني أصنف السير الذاتية إلى ٦ أصناف رئيسة، مرتبة بحسب الأكثر إلى الأقل شيوعًا: ١- سيرة «منيلة بستين نيلة»: هنا تكون السيرة الذاتية مجرد سرد لمعلومات عشوائية لا يوجد ترابط بينها، بها الكثير من التكرار، على الأرجح نُسخ نصف محتواها من الوصف الوظيفي والنصف الآخر من النماذج المجانية الموجودة على قوقل، سيئة التنسيق، توجد بها أخطاء إملائية. (أتذكر أنني رأيت سيرة ذاتية كتب صاحبها عند تاريخ الميلاد “Porn” بدلاً من أن يكتب “Born” – واللِه زي مبؤلك كده!) ٢- سيرة «أنا مش عارفني، أنا تهت مني، أنا مش أنا»: أصحاب هذا الصنف من السير الذاتية لا يعرفون المجال الذي يستهدفونه، لا يعرفون ماهي خبراتهم أو نقاط قوتهم، لا يعرفون ما الذي يجب تسليط الضوء عليه، ولا حتى الأقسام التي يجب ذكرها في السيرة الذاتية، بالمختصر: لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتعلم والتفكير. ٣- سيرة «كتاب حياتي ياعين»: هذا النوع من السير الذاتية الذي يمتد لـ ٤ صفحات وأكثر، رأيت سير ذاتية عدد صفحاتها تجاوز الـ ٧ و الـ ١١ صفحة! لأصحاب هذه النوع أقول: إذا أردت أن تسرد قصة حياتك يمكنك نشر نسختك الخاصة من “حياة في الإدارة“، لكن لا تضعها في قالب سيرة ذاتية ترسلها لمسؤول التوظيف المسكين الذي لن يقرأها على أية حال. ٤- سيرة «سي ڤي الفاشنيستا»: تعرف ذلك السؤال الوجودي الذي يطرق رأسك عندما ترى فاشنيستا فتقول في نفسك: «هممم، هل بقي شيء من مساحيق التجميل لم تضعيه على وجهك؟» هناك صنف من السير الذاتية يحفز ذات السؤال، أقصد الصنف الذي يعج بجميع ألوان قوس قزح، وجميع أنواع الإنفوجرافيك، والخطوط الزمنية، والرسوم البيانية، والصور، والخلفيات، ومواضع النجوم، وتقلبات الطقس، وتنبؤات الأبراج! للأسف يروج لهذا النوع من السير الذاتية على أنه مبتكر و”trendy” واحترافي، إلا أنه في الحقيقة النوع الأسوأ ومسؤولو التوظيف عادة يبغضونه لأن قراءته وتتبع المعلومات فيه صعبة، ناهيك أنه قد يعطي انطباع أن صاحب السيرة “غير ناضج” مهنيًا أو غير احترافي، و طبعًا بسبب النزعة “البيكاسوية” التي تطغى على هذا النوع من السِيَر، فهو لا يسمح بوضع التفاصيل الهامة عن خبراتك المهنية، لأن مساحة المستند مشغولة بفن تشكيلي هرائي لا يفيدك ولا يفيد مسؤول التوظيف بشيء. أمثلة على «سي ڤي الفاشنيستا»
٥- سيرة «من بره هالله هالله ومن جوة يعلم الله»: هذا النوع من السير الذاتية هو الذي يكون منسقًا تنسيقًا جميلاً، ومرتب للغاية، يخلو من الأخطاء اللغوية والإملائية، مريح للعين وسهل القراءة، لكنه المحتوى فيه فارغ ولا يؤدي الغرض. ٦- سيرة ذاتية احترافية: هذه هي السيرة التي تؤدي وظيفتها، محددة، موجهة، تنقل المعلومات التي يحتاجها مسؤول التوظيف، تروي قصة جيدة، مختصرة لكنها تسمح بالقدر اللازم من التفاصيل التي تعكس صورة ممتازة عن قدرات وخبرات الشخص، واضحة، وسهلة القراءة، وذات تنسيق جيد، وخالية من الأخطاء، ومتوافقة مع سياق القطاع، ومكان العمل، وطبيعة الوظيفة المستهدفة. للأسف، قلة من الناس تحمل هذا النوع من السير الذاتية. الآن، بصراحة عزيزي القارئ، أي صنف من أصناف السير الذاتية هذه تملك؟
انضم إلى قائمة القرّاء الرهيبين حتى تصلك مقالات مثيرة من هذه الغرفة الصغيرة!

أهم المــــــقالات

متابعة قراءة

ماذا يعني أن يكون لديك "قصة مهنية"؟ وكيف تساعدك سيرتك الذاتية في روايتها؟

متابعة قراءة

عصرية في إحدى كافياهات جدة

متابعة قراءة
Subscribe
نبّهني عن
guest

4 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
إيناس

العنود،
هناك الكثير لأعلق عليه وأحتفل في هذه الغرفة لكني سأكتفي بشكرك على العبارة في المقدمة:
«من نحن إلا القصص التي نحكيها لأنفسنا وعن أنفسنا ونؤمن بها» الروائي سكوت تورو
تلخص نظرتي للحياة وعملي كمعالجة أسرية سردية Narrative therapist
شكرا!

d

[…] ✍️ مقال: ماذا يعني أن يكون لديك “قصة مهنية”؟ وكيف تساعدك سيرتك … […]

خيرالدين

جميل جدا، ربما على المرء ان ينظر الى سيرته الذاتية من حين لآخر من زاوية صاحب العمل، حتى يعرف ما مدى موافقتها للوظيفة /المهمة المطلوبة.