هل تعرف تلك الرفوف في مكتبة جرير المليئة بالكتب من نوعية كيف تصبح مليونيرًا في عشرة أيام؟ أو كيف تبني شركة تقدر بالمليارات في أسبوع؟ أو كيف تتقن اللغة الصينية في شهر؟!
لطالما استفزتني هذه العناوين ولم أرى فيها إلا مادة تجارية لا تمت للواقع بصلة، ولازلت أعتقد ذلك لأن الإنسان إذا أراد أن يصل لنتيجة ملموسة فلابد من وجود رحلة تتطلب الجهد (وليس الإجهاد، هناك فرق!)
لكن في أحد الأيام شاهدت بالصدفة فيديو لشخص يدعى Connor Grooms قرر أن يتعلم اللغة الإسبانية في شهر ١ فقط، وقد قام بتوثيق التجربة كاملة، هنا اكتشفت أن تحقيق أمر غير سهل في فترة بسيطة ممكن بشرط أنك ستضطر إلى مضاعفة الجهد والتعامل مع الأمر بمنهجية، وهذا ما يسقط عادة من مَتن التسويق الذي يركز على الاستحواذ اللحظي
وجدت تجربة Grooms ملهمة جدًا، لذا قررت أن أجرب شي مشابه، في هذا المقال سأشاركك تجربتي لعلك تكون أيضًا مهتم بتعلم لغة جديدة، لكن قبل ذلك، أود أن أخبرك عن قصتي مع اللغات. (يمكنك تخطي الجزئية التالية والذهاب مباشرة إلى جزئية “لماذا يواجه معظم الناس تحديات عند تعلم لغة جديدة“؟)
حبي للغات يعود إلى الطفولة، فقد تعلمت الإنجليزية بشكل ذاتي من عمر التسعة سنوات، أتذكر كيف كنت ألتصق بالمسجل الكبير ذي أشرطة الكاسيت، أستمع لأغاني سبايس غيرلز وكريسينا آغيوليرا وبرتني سبيرز، كنت أعيد الأغنية عشرات المرات حتى أستطيع كتابتها بالحروف العربية على الكشكول، فلم أكن أعرف الحروف الإنجليزية لأني لم أذهب لمدارس تعلم الإنجليزية، أيضا من تلك السن المبكرة كنت أشاهد الكثير من الأفلام والمسلسلات الأمريكية مع إخواني، وكنت ألعب البلاي ستيشن الذي اضطرني لاستخدام القاموس حتى أتمكن من “تختيم الشريط”! كل هذا جعل من تعلم الإنجليزية أمر ممكن وسهل، بالإضافة إلى القراءة النهمة للكتب الإنجليزية في وقت لاحق حيث كان لها أثر كبير على تطوير لغتي.
الطريف في الموضوع أنني عندما كبرت ودرست اللغة الفرنسية في الجامعة في ٢٠١٠، عقلي “البالغ” أصبح يفكر في ما هو “صحيح”و ما هو “خطأ”! ما هي القواعد؟ وبالطبع أفكر مليون مرة قبل أن أتجرأ على التحدث خوفًا من أن أظهر بمظهر “غبي”، وطبعًا لم تنفعني دراستي للفرنسية في أي شيء خصوصًا عندما سافرت إلى فرنسا.
في ٢٠١٤ ذهبت إلى أمريكا وهناك قابلت أناس من أمريكا اللاتينية للمرة الأولى في حياتي، كنت أحب التسكع معهم وبطبيعة الحال تعلمت منهم بعض الكلمات الأسبانية، عدت إلى جدة وفي قلبي الكثير من الحب لهذه اللغة المليئة بالموسيقى، سجلت في دورة أون لاين لتعلم الأسبانية، كنت منكبة على تعلم القواعد وتصريف الأفعال والطريقة الصحيحة لتركيب الجمل وبالطبع لم تقدني هذه المنهجية إلى أي نتيجة، ولم استوعب مصدر المشكلة إلا مؤخرًا…
لماذا يواجه معظم الناس تحديات عند تعلم لغة جديدة؟
من تجربتي وقراءاتي هناك سببان رئيسان: ١) الخوف بأن نظهر بمظهر غبي يجعلنا محط سخرية ، ٢) لأننا نفكر بشكل منطقي يعقد الأمور، مثلاً نعتقد أنه حتى نستطيع التحدث باللغة الجديدة لا بد أن نتعلم القواعد أولاً ثم تأتي مرحلة المحادثة، وهذه فكرة خاطئة! المثير للاهتمام أن الأطفال ليس لديهم هذه الأفكار أو “الكلاكيع النفسية” وهذا باعتقادي أحد الأسباب الذي يجعلهم يتقنون اللغات الأجنبية بسرعة.
كيف تستطيع تعلم لغة جديدة في فترة قصيرة؟
في البداية دعنا نعرّف مالمقصود ب”تعلم لغة جديدة في فترة قصيرة”، هناك مستويان لتعلم اللغة: ١) مستوى يُمَكّنك من التواصل مع المتحدثين الأصليين لهذه اللغة (Native Speakers) بشأن أي موضوع لكن سيكون تواصلك مليء بالأخطاء، ٢) مستوى تكون فيه متقنًا لللغة، إذا أردت أن تتعلم اللغة بشكل سريع، انس أمر الاتقان وركز على التواصل، هذا يعني أنك لن تحتاج إلى تعلم كل القواعد اللغوية، مثلاً في البداية لا تحتاج أن تتعلم صيغة الفعل للماضي أو المستقبل، يكفيك أن تتعلم صيغة المضارع البسيط وهذا سيمكنك من التواصل.
لكن كم من الوقت ستحتاج للتمكن من التواصل باللغة الجديدة؟ العديد من المصادر تقول تخصيص ٤ ساعات يوميًا على الأقل لتعلم اللغة الجديدة سيمكنك من الوصول لمستوى التواصل بعد شهر واحد فقط، بالطبع لا يمتلك الجميع كل هذا الوقت، يمكنك تخصيص ساعات أقل لكن بدل أن تتمكن من مستوى التواصل في شهر واحد سيستغرق ذلك عدة شهور، يمكنك استخدام هذا الموقع لحساب المدة التي تحتاجها بحسب معطياتك (توجد آلة حاسبة في أسفل صفحة الموقع).
في تجربتي خصصت ٦ ساعات يوميًا لتعلم اللغة الجديدة لمدة شهر، ويمكنني تلخيص المنهجية التي اتبعتها في النقاط الـ٦ التالية:
١) نفسية الطفل لا نفسية البالغ المعقد!
من المفترض أن يكون التعلم تجربة ممتعة، مرحة، مليئة بالاكتشافات والتجارب المثيرة للاهتمام، لا أعلم لماذا نفقد هذا الحس عندما نصبح بالغين! يتحول الموضوع فجأة إلى مسألة إثبات وجود، خوف، مشاكل ثقة بالنفس، صراع للحصول على العلامات الكاملة، المقارنات وهوس الفوز على الآخرين! أول ما قمت به شخصيًا هو وضع نفسية البالغين المليئة بالعقد على جنب واستحضار نفسية الطفلة ذات التسعة سنوات التي كان تعلم اللإنجليزية بالنسبة لها يعني وقت اللعب والرقص والمرح وطبعًا مشاهدة قناة ديزني!
٢) ساعة “الروقان”
ماهي “أروق” ساعة في يومك؟ الساعة السابعة صباحًا؟ التاسعة مساءًا؟ الثانية صباحًا؟ أيا كانت خصصها لتعلم اللغة الجديدة، في حالتي الصباح الباكر أفضل وقت، لذلك لم أجدول أي اجتماعات أو أعمال أخرى في هذا الوقت، بل أوقفت بعض الارتباطات بشكل مؤقت حتى أتمكن من التفرغ للهذه التجربة.
٣) تنويع المصادر
إن كنت تعتقد أنك ستتمكن من التواصل باللغة الجديدة بإعتمادك على دورة تعليمية أو تطبيق دو لينقو (Duelingo)! فيؤسفني أن أقول لك أن هذا لن يحدث، لأننا لن نستطيع أن نبني مفردات لغوية أو نفهم كيفية ممارسة هذه اللغة إن كانت مصادرنا محدودة، كلما تنوعت المصادر وكثرت، كلما ساعدنا ذلك على التمكن من اللغة، على سبيل المثال، بدلاً من الاعتماد على دورة أو تطبيق جوال، يمكننا إضافة دروس اليوتيوب، بطاقات الذاكرة (flashcards)، مسلسلات، أفلام، أغاني، مقابلات تلفزيونية، بودكاست، وصفات طبخات، قصص أطفال، ونشرات أخبار كمصادر لتعلم اللغة الجديدة، تجد في نهاية المقال قائمة ب ١٢ مصدر استخدمته لتعلم الأسبانية، أيضًا قمت بتحويل لغة جوالي إلى الأسبانية حتى أكون معرّضة لللغة بأكبر قدر ممكن.
٤) من قال أن الروتين قاتل!
حسنًا وجدنا الوقت ووجدنا المصادر، ألف مبروك! نحتاج الآن إلى أن نتوجهما بروتين يومي! تكمن أهمية الروتين باعتقادي في أنه يضمن لك أفضل استثمار للوقت المحدود الذي تملكه دون أن تضيع وقتك في التفكير في “ماذا يجب أن أفعل الآن؟” خصوصًا إذا كنت تستخدم الكثير من المصادر فقد تشعر بالتشتت وبالتالي عدم استغلال الوقت بشكل جيد، هذا مثال لروتيني الدراسي في الأسبوع الأول، كنت أعدله كل أسبوع بحسب احتياجاتي
نعم استقيظ في الخامسة صباحًا، وهذا ما أعانني على إيجاد ال ٦ ساعات، لكني لم ألتزم بهذا الروتين ١٠٠٪، أحيانًا وقت العمل/الدوام يتطلب وقت أكبر، أيضًا أتذكر أني في أحد الأيام قضيت ال ٦ ساعات كلها في مشاهدة مسلسلات وأفلام أسبانية وترجمة أغاني أسبانية بالإضافة إلي تدوين جميع المفردات التي تعلمتها على إكسل (Excel)، فالأهم بالنسبة لي هو استغلال هذه الفترة للتعلم، لكني مرنة بشأن تغيير المصادر والكيفية والتوقيت حسبما شئت، هذا الجدول مهمته الإرشاد والتوجيه لا الإرغام والتقييد، أيضًا لا حاجة لجلد الذات إن شعرنا أننا في حاجة لأن نأخذ استراحة ليوم كامل.
الفكرة أن يكون لك روتين معين يومي أو أسبوعي يُمكّنك من اتمام المهمة/الهدف، وهنا مقال جميل للكاتب أحمد مشرف يتحدث فيها عن “ماتعلمته من وجود الروتين مؤخرًا”
٥) “مرحبا” من اليوم الأول
إذا اطلعت على تجارب متعددي اللغات (Polylgots)، ستجد أن النصيحة الأولى التي يقدمونها هي أن تدفع نفسك إلى التحدث باللغة المنشودة من اليوم الأول، حتى وإن كان مجرد قول “مرحبا، كيف حالك؟ إسمي فلان”، في كل يوم تدفع نفسك بالتحدث قليلاً بهذه اللغة ستجد نفسك أكثر ثقة، وإن كنت ترتكب الكثير من الأخطاء، بل والأهم أنك ستعوّد عقلك على أن يفكر بطريقة اللغة الجديدة لا بطريقة لغتك الأم أو لغة أخرى أنت متمكن منها.
شخصيًا أقوم بثلاثة أمور: ١) أتواصل مع متحدثين أصليين للإسبانية عبر تطبيق قيت سلولي (Get Slowly) حيث أكتب لهم واستقبل منهم رسائل مطولة بالأسبانية عن موضوعات مختلفة في الحياة، ٢) أسجل صوتي بالجوال وأنا أتخيل نفسي في حوار بالأسباني مع شخص ما (الكثير من السيناريوهات الدرامية تحدث هنا! أتمنى ألا يطلع أحدهم يومًا على هذه التسجيلات!)، ٣) أكتب يوميًا جملة واحدة على الأقل بالأسبانية أعبر فيها عن نفسي أو فكرة ما.
٦) “لا تغلي المحيط”
هناك مقولة في عالم الأعمال والاستشارات الإستراتيجية تقول “لا تغلي المحيط” (Don’t Boil The Ocean) وتقال للشخص الذي يقترح حلاً معقد وكبير جدًا ولا يمت للواقع بصلة بحسب المعطيات، لذلك إن كنت تريد أن تتعلم لغة جديدة بشكل يمكنّك من التواصل في فترة قصيرة، فسأقول لك لا تغلي المحيط يا عزيزي.
قبل الخوض في تعلم اللغة، قمت ببعض البحث لأحدد ماهي الأولويات التي يجب أن أركز عليها، مثلاً بدلاً من تعلم الأفعال بشكل عشوائي ركزت أولاً على ال ٢٠ فعل الأكثر استخدامًا، تخيلت لو أنني في محادثة ماهي أكثر الكلمات التي سأحتاجها، مثل “قبل، بعد، أمس، المرة القادمة..إلخ”، أيضًا مع الوقت لاحظت أن هنالك أنماط لغوية فركزت على فهمها وحفظها لأن في ذلك اختصار كبير للوقت والجهد الناتج عن حفظ المفردات بشكل عشوائي، أستحضر هنا فيديو تيد توك قديم لكنه كلاسيكي ل Josh Kaufman يشرح فيه هذه الفكرة.
لكن ماذا حدث بعد ما أتممت شهر في تعلم الأسبانية بهذه الطريقة المكثفة؟
بالتأكيد لم أصبح أسبانية ولم أتحدث اللغة بطلاقة!
لكني أستطيع إجراء محادثة قصيرة مع أهل هذه اللغة عن موضوعات مختلفة.
أيضا أتذكر أنني عندما كنت أشاهد إحدى المسلسلات الأسبانية (Extra) كنت أتوقف عند كل مشهد لترجمة الكلام في الحلقات الأولى حتى أفهم، لكن في الحلقات الأخيرة أصبحت قادرة على مشاهدة الحلقة كاملة وفهمها دون الحاجة إلى الترجمة! بالنسبة لي كانت تلك لحظة أسطورية!
سأستمر في تعلم اللغة حتى مستوى الإتقان، فهناك الكثير من الكتب الأسبانية التي أود قراءتها، والكثير من البلدان المتحدثة للأسبانية التي أود زيارتها.
والأهم من ذلك كله، أؤمن أن كل لغة نتعلمها هي بمثابة عقلية جديدة نرى الحياة من خلالها.
لن أستطيع الاستمرار في تخصيص ٦ ساعات من يومي لتعلم اللغة بطبيعة الحال، لكن هذا لا يهم، المهم الاستمرار في التعلم وإن كانت نصف ساعة فقط …
—انتهى—
مصادر “فنّانة” استخدمتها لتعلم الأسبانية (معظمها يدعم لغات أخرى):
- موقع تعليمي SpanishPod101
- موقع Yabla (يعلم اللغة من خلال الأغاني، مقاطع من المسلسلات، الأفلام، المقابلات التلفزيونية)
- موقع Fluentin3months للمدون الشهير Benny Lewis، (مليء بالمقالات الممتازة والمصادر عن تعلم اللغات)
- موقع SpanishDict (موقعي المفضل لفهم القواعد اللغوية وتصريف الأفعال)
- منهجية ميشيل توماس لتعلم اللغات Michel Thomas Method (يمكنك تحميل الكتب بشكل مجاني)
- قناة يوتيوب لمعلمة مكسيكية Butterfly Spanish
- قناة يوتيوب لمعلمة كولومبية Practiquemos
- أفلام كرتون gato y perro (القط رهيب!)
- مسلسل Extra (أُعد خصيصًا لتعلم الأسبانية، لذلك الممثلون يتكلمون ببطء شديد، المسلسل قديم ويبدو للوهلة الأولى “أبو كلب” لكني أصبحت استمتع بمشاهدته مع الوقت)
- بودكاست Coffee Break Spanish
- تطبيق Busuu (أجده أفضل من دو لينقو)
- برنامج AnkiSRS (برنامج لصنع بطاقات الذاكرة، وصنع أسئلة/اختبارات تساعدك على المذاكرة، هنا فيديو يشرح طريقة استعماله)
[…] […]
يبدو أنني وقعت على كنزٍ ما هاهنا
تعلم لغة جديدة أمر ممتع فعلًا وأحب أن أطيح على مواضيع كهذه لذا أشكرك3>
بالنسبة لتسجيل الصوت، تقنية الـ(shadowing) عظيمة أيضًا~
-حيث تكررين جملة ما في الوقت ذاته مع متحدثٍ للغة، وتكتسبين بالتكرار الجملة فهمًا ونطقًا..خذي طلة على الموضوع لتفاصيلٍ أكثرxD-
أتمنى لك تعلمًا سعيدًا
شكرًا لك نوف، أتمنى أنك وجدت ما يفيدك هنا، هناك طريقة قريبة من الشادوينق لكن أكثر دقة وفاعلية برأيي، ألا وهي (mimicking) الفرق هنا إنه يقسم الكلمات إلى (syllables) ويوضح مناطق اخراج الحروف في اللغة الأم، تسجلي صوتك على برنامج إلكتروني وهو يقرأ مدى صحة نطقك وتلقائيا يوضحك لك مواضع الضعف في اخراج الصوت ونطق الحروف، لأنها تقسم الكلمات إلى مخارج صوت معينة ولأن التصحيح يتم عند طريقة السوفت ويير هذا فهي أكثر دقة من تكرار الكلمات مع شخص آخر، هنا تلاقي تفاصيل أكثر mimicmethod.com
أووه شكرًا جزيلًا لمشاركتك العنود! قد مر علي موضوع الـ(mimic/المحاكاة)سابقًا وأظن الشادوينق جزء منه، الموقع مثير للاهتمام وأتطلع لتجربة الأمر*-*
#عذرًا على التأخير
انا مجبرة على تعلم اللغة السويدية كي اكمل دراستي و ادخل الجامعة و لقد قلت لنفسي لماذا لا أحفظ خمسون كلمة يوميا لمدة شهر سأكون حفظت 1500 كلمة جديدة و انا ملتزمة بهذا الأمر لمدة أسبوع و بقي اربع و طبعا انا ادرس كل يوم تقريبا ٣ دروس قواعد و كم جملة مفيدة هل تعتقد بأن هذه الطريقة مفيدة