باب ما جاء في قص شَعر البنات وذُعر الآباء والأمهات

Alanoud
العنود الزهراني

في صيف ٢٠١٥، استقيظت ذات صباح وتوجهت مباشرة إلى حبيبة وحبّة القلب أمي التي كانت تحتسي شاهيها العدني في طمأنينة وسكون، بعد أن قبّلت يديها وتنعّمت بحضن دافىء سريع قلت لها “ماما أنا رح أحلق شعر راسي كله وأصير صلعا” !

اتسعت عيناها، اعتُقل لسانها، ظلّتْ مشدوهة لدقائق وأخذنا نتبادل النظرات في صمت لدقائق أخرى

سألت في فزع مختلطٍ بيأس: “ليش؟”

جاوبت: “اممم ماعرف بس كدا أبغى اقص شعري كله”

سألت: “كيف تخسري شعرك! وكيف تخرجي للناس! وايش يقولوا الناس؟؟”

جاوبت: ” ماما ياقلبي، هدا شَعري…ايش دخّل الناس؟”

طوال حياتي اعتدت أن يكون لدي شعر طويل، واعتدت أن ارتعب من فكرة قَصّه بل حتى قص أطرافه، فقد نشأت -كغيري من بنات المنطقة- على فكرة أن قيمة المرأة في مظهرها وجمالها وخصوصاً جمال شعرها، وأعتقد أن هنالك هوس غريب بالشعر لا أفهمه! وجماله تحديداً يعني أن يكون طويييلاً وناعماً منسابا، والأدهى والأمرّ أن يُغرس في أذهان الفتيات -بشكل مباشر وغير مباشر- أن جمال مظهرهن وخصوصاً جمال شعرهن وطوله هو ما سيجلب لهن “العريس” ويضمن بذلك لهن الزواج!

اعترف أني وحتى سن ال ٢٥ كان يخبرني عقلي اللاواعي أنّ جزءاً كبيراً من قيمتي كأنثى كانت تعتمد على مدى جمال شعري وطوله، وفي اللحظة التي انتبهت فيها لهذه الفكرة المُهلكة التي ما فتئ المجتمع يعززها، قررت أن أتخلص من فوبيا قص الشعر، وحتى أثبت لنفسي أن قيمتي لا تكمن ولا يجب أن تكمن في مظهري بدى لي أن السبيل الوحيدة إلى ذلك هي قصُهُ بالكامل! ولا أنكر أنه خالط كل ذلك رغبة عارمة في التمرد على معايير الجمال المجتمعية البائسة..

بعد يومين من حديثي مع حبّة القلب أمي، تحدثت مع بعض من صديقاتي عما أنوي فعله بشعري، والأمر المفاجئ أنه لم تكن ردات فعل معظمهن مختلفة كثيراً عن ردة فعل والدتي!  فقد سمعت منهم “عنود إنت من جدك؟” “إنت مجنونة” “مارح تتجوزي!” “حتضيعي مستقبلك!!” “أمك ما قتلتك لما قلتي دا الكلام؟؟” “عنود ايش ممكن اسوي عشان اخليك تبطلي من دا الموضوع” …إلخ

هذه التجربة فتحت الكثير من النقاشات وجلبت الكثير من القصص التي أدهشتني! كثير من الفتيات شاركنني قصصهن الشائكة مابين شعرهن وأهاليهن! ألخص جملة ماسمعت ورأيت في محورين:

  • اغتيال مفهوم بر الوالدين
  • اختزال قيمة المرأة

لكن قبل أن أتناول كل محور، أريد أن أنوه أن غالبية ما سمعته من قصص هي لفتيات أردن قص شعرهن بمقدار بسيط، مثلاً ٣ او ٥ انشات ليس كما في حالتي بشكل متهور! ومع ذلك كانت ردات فعل الأهالي غير مبررة وغير منطقية!

اغتيال مفهوم بر الوالدين:

 بشكل عام الكثير من الآباء والأمهات في مجتمعاتنا يشعرون بأحقية التحكم في أكثر المواضيع خصوصية ومصيرية في حياة أبنائهم وأن على الأبناء الطاعة من باب “البر”! التحكم بطول شعر الفتيات يأتي من نفس المنطلق، بالرغم من أن قص الشعر ليس قراراً مصيرياً على الإطلاق! خصوصا أن الشعر يعود وينمو في فترة قصيرة!! لذلك أنا لا أفهم لماذا يُقحم في دائرة “طاعة وبر الوالدين”! بعض الفتيات أخبرنني أنه عندما قصصن شعرهن، كان هنالك غضب من قبل الأم/الأب/الجدة وفي بعض الأحيان أدى هذا الغضب إلى الامتناع عن التحدث مع الفتاة لفترة من الزمن!

من القصص التي سمعتها في هذا السياق، اخبرتني سيدة أن “أمنيتها في الحياة”  أن تقص شعرها  إلا أن والدتها -حفظها الله- لن ترضى بذلك! الغريب في الموضوع أن هذه السيدة في الأربعينيات ولديها ابنة تدرس في الجامعة لكنها حتى لا تستطيع أن تقص شعرها كما تشاء!

اختزال قيمة المرأة:

من المحزن أننا نربي الفتيات على أن قيمتهن تكمن في مظهرهن وهذا المظهر بالطبع له “معايير” معينة من لم تطابقها من الفتيات فهي بالضرورة “أقل” حظاً في هذه الحياة! لذلك يصبح جُل هم الفتاة أن تفعل كل ما بوسعها للوصول لمعايير الجمال المجتمعية، الجدير بالذكر أن هذا الضغط المجتمعي التعيس يُوَلّد في كثير من الأحيان مشاكل نفسية/سلوكية عند الفتيات أهمها قلة أو حتى انعدام الثقة بالنفس، هنالك حلقة جميلة لبرنامج “صمتاً” بعنوان لا تجعلوا للجمال معايير، تسلط الضوء على هذا الموضوع، اضغط هنا للمشاهدة

Screen Shot 2017-06-28 at 5.57.32 AM

من القصص التي سمعتها في هذا السياق، أن بعض الآباء والأمهات يمنعن بناتهم من قص شعرهن حتى يتقدم أحد لخطبتهن، بعد ذلك لهن الحرية في قص الشعر طالما أن العريس قد أتى! وكأن ما يأتي به هو طول الشعر! بل وكأن الزواج “يقوم ويقعد” على قصة الشعر!

أعود لقِصتي وقَصتي، فعلا قمت بقص شعري كاملاً (لم أحلقه من جذوره) لكني تخلصت من شعر كان يمتد بطول ظهري ليصبح كقَصة شَعر الطالب الدافور الذي يخشى أن يوبخه المرشد الطلابي على شعره الغير محلوق!

لم تكن لحظة القص (أو الفقد!) سهلة، كنت خائفة، وارتعبت حين رأيته يسقط جميعه في الأرض، شعرت للوهلة أن فقدت جزء من جسدي! بل شعرت أني فقدت شخصاً مقرباً مني، لكن هذه المشاعر لم تدم إلا ١٥ دقيقة فقط! بعدها شعرت بالفرح والفخر أني أقدمت على هذه التجربة التي مكنتي من كسر حاجز نفسي شخصي كبير، وجعلتني أرى الأمور بطريقة مختلفة، ومكنتني أن أنهي تعلق نفسي غبي بأمر مادي غير حقيقي ألا وهو هيئة شعري، وكما يقولون “في التخلي تجلي”…

هذه ليست دعوة لقص الشعر

وليست دعوة للتمرد على الأهالي

بل دعوة للتفكر في كل ما تم برمجتنا عليه من أفكار…هل هي صحيحة؟ حقيقية؟ هل تعيننا لأن نكون إنسانا أفضل، أصيل، أقوى، أقرب إلى روحه؟ أم تجعل منا إنسانا ضعيفا، متذبذبا، غارقا في المتناقضات، قليل أو منعدم الثقة، أبعد ما يكون من روحه وكل ما يجعله هو هو ؟

وأعتقد أننا في هذا الوقت نشهد موجة وعي غير مسبوقة! أقول “وعي” متأملة أن تكون فعلا التغييرات التي نشهدها ناتجة عن وعي وتفكر وتجارب شخصية حقيقية لا مجرد مجاراة لما يفعله الغير من باب “هذا مايقوله\يفعله الجميع الآن إذن هذا ما سأقوله\أفعله أنا أيضا!”

في النهاية، أعتقد أن في هذه الحياة مايستحق فعلاً الاهتمام و”الذعر” وأنا متأكدة أن “قضية” تقصير/تطويل شعر الفتيات لا تدخل ضمن ذلك! ناهيك أنه من المحزن أن تُعلّم الفتيات أن مظهرهن مسألة “وجودية” في حين نحن قادرين على تعليمهم أنهن جميعاً جميلات بأرواحهن وعقولهن ومظهرن الذي اختاره لهن الجميل سبحانه وتعالى.

—انتهى—

انضم إلى قائمة القرّاء الرهيبين حتى تصلك مقالات مثيرة من هذه الغرفة الصغيرة!

أهم المــــــقالات

كيف تكون «السلبية» خيارًا أفضل من الإيجابية السامة؟

متابعة قراءة

ماذا يعني أن يكون لديك قرّاء في مقابل أن يكون لديك جماهير؟

متابعة قراءة

المقاييس وسيلة وليست غاية: دعوة لتقييم إنجازاتك في ٢٠٢٠ بشكل مختلف (تدوينة شخصية غير شخصية)

متابعة قراءة
Subscribe
Notify of
guest

7 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
ابرار

اهلا العنود
تعرفي كلامك فكرني فيني وقت ما احس انو مخي اتفتح و سار مو عايش في غرفة زمان كنت احس كل شي بطريقة بدون وعي امور بتمشي كانها اساسيات او شرع و في النهايه هيا عادات و تقاليد . دخلت في دوامه اسال نفسي في كل صغيرة و كبيرة في كل شي و ركزت في موضوع ديني . اشياء كتير مااعرف اصلها مااعرف ليش و كيف و متى بس اعملها الصراحه تعبت و انا اقراء مافي شي صح و مافي حقيقة مطلقه كل شي و له وجه تاني و منطلق تاني . بس اهو عايشه في دوامه يوم هنا و يوم هناك احاول اكتشف نفسي و ذاتي .

Hajar

ياسلام عليك .. موضوع نادر الحديث عنه

مررت بنفس تجربتك مرتين وفي كل مرة يتكرر السيناريو من الأهل والبعض في مكان الدراسة ..

أنا لو علي أنصح كل بنت تجرب قص الشعر ولو لمرة في حياتها ، التجربة تستحق

[…] ناهيك عن التدمير النفسي القائم على فكرة أن “قيمتك في مظهرك“، أضف إلى ذلك كله استغلال لمفاهيم دينية خاطئة تحطم […]

Someone passing by

انا احكي من بعد ماحصل الموقف ومن بعد ماقصيته وتفاجأت بالتجاهل اللي حاصل من الوالدين وربط الموضوع بلهجه شديدة وبشكل مباشر بال”عريس” وبأني بلا قيمه ولا ذرة جمال بدون شعري الطويل ، المضحك المبكي بالموضوع انه من منتصف الظهر الى تحت الكتف هذي الانتقاله سببت أزمه وتوتر بالجو العام بيني وبين والديّ ايضًا سببت انهيال لسبائب وشتائم لاتنزل على مسامع ابنه من والديها .. العجيب بالموضوع انني بعد ذهولي فكرت بزياده تقصير شعري حتى يكون كل ما اواجهه الان لسبب واقعي وفعلا يستحق ، عموما بعدما سئمت استمرار التعلق الغريب وتصديق الفكر الخاطئ الذي هم فيه بدأت البحث عمّا يتعلق بالموضوع ومررت هنا ولا استطيع ان اصدق انني عندما انتقل من سطر لاخر اشعر انني المقصوده وانه يصفني ، فكان ذلك فاعِلًا للتخفيف والربت على كتفي .. شكرًا جزيلا
– ملاحظة: والديّ من المتعلمين ولا من متبنيّ الفكر القديم .. ومن سكّان المدن ولم يسبق لنا العيش في غيرها