عن قصة بطل الفوط النسائية

قيل: أمريكا لديها سوبر مان، باتمان، سبايدر مان، وغيرهم من الأبطال الخارقين، لكن الهند لديها باد مان (Padman)، بطل الفوط النسائية!

موخرًا شاهدت فيلم باد مان والذي يحكي قصة حقيقية لرائد الأعمال الاجتماعية الهندي أورناتشلام مورغنانثام، والذي جاهد في إيجاد حل لمشكلة عدم تمكن النساء الهنديات من استخدام الفوط النسائية نظرًا لفقرهم وغلاء أسعار هذه الفوط بالنسبة إليهم.

أعتقد أن هذا الفيلم من أجمل ما رأيت مؤخرًا لعدة أسباب تتجاوز الحبكة الدرامية الرهيبة والتمثيل الرائع، هذه الأسباب هي:

١) كسر التنميط

  • التعليم

أعظم ما في قصة باد مان، أنه شخص غير “متعلم” بالمفهوم التقليدي الذي نعرفه، لم يذهب إلى الثانوية أو الجامعة، لم ينشأ في عائلة “مثقفة” تقرأ له قصص ما قبل النوم، لم يرى فيه حياته حاسب آلي، فقير جدًا، منعزل عما يحدث في العالم من حوله، تقتصر حياته على الذهاب من البيت إلى العمل والعكس، يعمل في ورشة صيانة بسيطة تصلح العجلات والأبواب وماشابهها، لكنه ومع كل هذه المعطيات المحدودة، كان صاحب مخ عبقري، يتسآل، يفكر، يحلل، والأهم من ذلك يحب ابتكار الحلول لكل مشكلة تواجهه مهما كانت صغيرة.

هذه المفارقة بين معطيات وتركيبة أورناتشلام (يدعى لاكشيمي في الفيلم) وبين ما استطاع فعله من ابتكار غير حياة ملايين النساء في الهند، مفارقة تستحق الوقوف عندها والتأمل فيها كثيرًا، أعتقد أن هناك اجماع يكاد يكون عالمي، أن ما يخرج عن إطار منظومة التعليم المؤسساتي هو بالضرورة معطوب، أو ليس له قيمة، أو ليس بقادر على جلب منفعة ودفع ضرر، بمعنى آخر، إذا أردنا أن ننشأ إنسانًا عبقريًا، مبتكرًا، صاحب عقلية تتسآل وتفكر وتحلل، فعلينا أن ندرسه في أفضل المؤسسات التعليمية التي توفر له بيئة وتعليم يمكنه من تنمية هذه الشخصية والمهارات، وإلا لن يكون له حظ في ذلك، خصوصًا إن كان شخصًا لم يذهب إلى المدرسة ابتداءً.

أعتقد أن أورناتشلام وغيره الكثيرون يحطمون هذه الفكرة تحطيمًا، ويذكروننا أن الإنسان والحياة أكبر وأكثر تعقيدًا من منظومة التعليم المؤسساتي التقليدية المحدودة التي نرى فيها الغاية والخلاص الناجع الذي لن نستطيع من دونه حل قضايا العالم..

  • الحب

أتت رغبة أورناتشلام في ابتكار فوط نسائية رخيصة الثمن من حبه الشديد لزوجته وخوفه من أن يفقدها بسبب الأمراض التي تصيب النساء إثر استخدام الخروق المتسخة كبديل للفوط الصحية. أصنف هذه النقطة تحت “كسر التنميط” لأنني أشعر أن التصور عن الحب وتقدير النساء تحديدًا رُبط في أذهاننا بحالة من “الرقي” و”التقدم” أو طبقة اجتماعية معينة، وكل ذلك طبعًا ليس مقترن بالصورة السائدة عن المجتمعات الفقيرة أو ما نطلق عليها أحيانًا “الشعبية”.

٢) دروس عظيمة لرواد الأعمال

  • تحديات رواد الأعمال

لكل رواد الأعمال المنهارين نفسيًا لأن أحدًا لم “يعطِهم وجه” أو يصفق لمشاريعهم أو ابتكاراتهم، أقول: تريثوا حتى تتعرفوا على قصة أورناتشلام، ستشعورن حينها كم أنتم محظوظون! فهو لم يعاني من عدم وجود دعم فحسب، بل إنه في مرحلة ما، خسر كل حياته تقريبًا بسبب اصراره على ابتكار هذه الفوط النسائية الرخيصة الثمن، خسر سمعته، خسر زوجته، خسر والدته، خسر أخواته، القرية كلها نبذته بل أن بعضهم أراد قتله لأن مجرد الحديث عن أمور حساسة كهذه من المحرمات الاجتماعية لديهم، وبالرغم من كل هذه الخسائر والانهيار النفسي الحقيقي، استمر في العمل على تطوير منتجه…

  • البساطة

ينتهي أورناتشلام إلى ابتكار آلة تصنع الفوط النسائية، تذكر عزيزي القارئ، هو لم يدرس يومًا في الجامعة وليس لديه قوقل يلجأ إليه أو كورسيرا يتعلم منه ولا مجموعة من الموهوبين يتباحث معهم، كل ما كان لديه رسم بياني مبسط لآلة التصنيع، بعد ذلك استعمل عقله واستلهم من المحيط/البيئة أفكارًا تمكنه من صنع آلة مشابه. لكن السر في كل ذلك هو «البساطة»، الحل، الأدوات، وحتى نموذج توسيع إنتاج الآلة والفوط كانوا في غاية البساطة لكن في غاية الفعالية، وهذا ما يجعلني أتأمل في بعض الحلول التي نفكر فيها للتعامل مع المشكلات المعقدة، استحضر هنا مقولة مشهورة في مجال الاستشارات الإدارية وإدارة الأعمال وهي: «لا تغلِ المحيط» (Don’t Boil The Ocean)، ففي أحيان كثيرة ننزلق في فخ الحلول المعقدة لأننا نعتقد بالضرورة أن المشكلة المعقدة تحتاج إلى حل معقد، بينما قد يكون الحل بسيط جدًا.

هناك الكثير من الأسباب الأخرى التي تجعلني أحب هذا الفيلم كثيرًا، لكن النقاط السابقة هي الأكثر حضورًا في ذهني الآن.

إذا أردت مشاهدته الفيلم، فهو متوفر على نتفليكس (أرجوك لا تحمله مجانًا، احصل عليه بطريقة مشروعة)

وهذا خطبة لأورناتشلام الحقيقي

–انتهى–

انضم إلى قائمة القرّاء الرهيبين حتى تصلك مقالات مثيرة من هذه الغرفة الصغيرة!

4 ردود على “عن قصة بطل الفوط النسائية”

  1. هذه القصة تشحذ الهمم لكل إنسان ان يبذل وسعه في البحث والتفكير لمعالجة المشاكل التي تواجهه بطريقته هو لأنه ببساطة مختلف ويعمل جاهدا في ذلك مهما واجهه من تحديات .
    راق لي ما دون هنا تحيااتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *