هل تستطيع رؤية الجبل؟ ما تعلمته من مشاري الإبراهيم وأماني دغريري عن الرسالة والجبل

في رمضان الماضي حدث معي أمران عجيبان تعلمت من خلالهما ألا أنسى أن لي “جبلاً”، بل ألا أزيح نظري عن هذا الجبل! وفي هذا المقال، أريد أن أخبرك أنك أيضًا لديك جبل، فهل تستطيع رؤيته؟ أم أنك قد نسيته؟

الأمر الأول الذي حدث هو أنني قرأت رواية «الوادي المعلق في السماء» للكاتب مشاري الإبراهيم، الرواية فريدة من نوعها وذات نفَس مختلف غير منتشر بين الروايات العربية، فهي رواية فانتازيا ولكن بطابع معرفي يتسم بالأصالة، عمومًا العجيب هنا ليست هذه التوليفة غير المعتادة، بل رمزية الجبل في الرواية.

سأسدي إليك معروفًا عزيزي القارئ ولن “أحرق عليك” الرواية، لكن بشكل عام، تتحدث الرواية عن وادي وجبل معلقان في السماء، يذهب آلاف الناس إلى الوادي بهدف عبوره إلى الجبل وهو غايتهم الأساسية حتى يتمكنوا من تحقيق مرادهم، لكن ما يحصل هو أن الكثير من الناس ينسون هذه المهمة، باستثناء أولئك الذين يبذلون الجهد ليذكرّوا أنفسهم بالغاية التي أتوا من أجلها، وجزء من هذا الجهد هو أن يداوموا على قراءة الرسالة التي تذكرهم بهذا الجبل.

وقع الرواية على نفسي كان عجيبًا، فمن ناحية لم أقرأ منذ فترة رواية عربية بهذا المستوى البديع من الإثارة والتشويق الذي جعلني أنهي الرواية في جلستين فقط! ومن ناحية أخرى استوقفتني كثيرًا رمزية الجبل هذه، بل أعتقد أنها فتنتي تمامًا، فلم أملك إلا وأن أسقط هذه الرمزية على أمور كثيرة في حياتنا…لكن، هل تعرف ماذا حدث؟ بعد أسبوعين من قراءة الرواية ذهب تأثيرها السحري عني وكدت أنسى افتتاني بحكاية الجبل حتى حدث معي الموقف التالي…

قلت لك في مقدمة المقال أنه حدث معي أمرين عجيبن صحيح؟ إليك الأمر الثاني: كنت أخوض نقاش عميق مع إحدى الصديقات عن موضوع شخصي وحساس، انتهى النقاش وأنا أشعر بشعور سيء جدًا، شعور بالضعف، بفقدان الثقة بالنفس، شعرت أني عدت إلى “المربع الأول”، فقد ظننت أنني بعد هذه السنوات من العمل على تطوير الذات، ومعالجة الكثير من الكلاكيع النفسية، والعمل على تنمية الثقة بالنفس، أنني قوية بما فيه الكفاية أمام أي هراء مجتمعي، لكن الحقيقة هي أن ظني هذا كان هو الهراء بعينه!

مر يومان وأنا أحاول أن افهم وأتعامل مع مشاعر الاستياء المشتِتة تلك، ومن كرم الله علي أنه كتب لي صداقة مع الحبيبة أماني دغريري، صاحبة دار منار، ذهبت إليها وحكيت لها الموقف، فقالت لي: «عنود، من الطبيعي أن تعودي إلى المربع الأول! مهما اشتغلتي على نفسك، لازم تذكّري نفسك كل يوم بكل القناعات الي تؤمني فيها، هذا هو الحل الوحيد»، ثم تابعت: «لدي دفتر أوراد أقرؤه كل صباح لأذكّر نفسي برسالتي في هذه الحياة، بالمراد الذي أتيت من أجله، وبالأشياء التي أريد أن أركز عليها، ولكي لا أدع برمجة المجتمع تؤثر علي»، حينها تذكرت رواية الوادي المعلق، واسترجعت فكرة المداومة على قراءة الرسالة!

سردت على أماني قصة الكتاب والجبل، وبعد أن انتهيت، أخذنا ننظر إلى بعضنا البعض في صمت، أو ربما ذهول، استوعبنا حينها أن كل القناعات الشخصية التي نحارب من أجل أن نبقيها حية في أرواحنا لتقودنا في هذه الحياة هي الجبل الذي يجب أن نبذل كل الجهد لكي لا ننساه سواء بسبب ملهيات الحياة أو بسبب ضغوطات المجتمع، وهذه الأخيرة هي الأكثر شراسة بطبيعة الحال.

عدت إلى منزلي وقلبت صفحات الرواية بحثًا عن هذه الصفحة:

اقتباس من رواية الوادي المعلق في السماء

بدأت في كتابة “رسالة” شخصية أذكّر بها نفسي بكل القناعات والمبادئ الأساسية التي أؤمن بها، عن علاقتي مع الله تعالى، عن الإيمان، عن علاقتي بالمقربين، عن الحب، عن العمل، عن الزواج، عن العلم والحكمة، عن الجسد، عن العافية والصحة، عن ماذا أريد وكيف أريد أن أحيا هذه الحياة، ووعدت نفسي بأن أقرأ هذه الرسالة كل يوم حتى لا أدع الهراء المجتمعي يعبث بي، أو بالأحرى حتى لا أنسى رؤية الجبل…

عملية كتابة الرسالة ليست بالأمر السهل طبعًا، بل تكاد تكون من أكثر المهمات تعقيدًا، وهي أمر مستمر ومتجدد (بل لابد أن تتجدد!)، لكن التعقيد والصعوبة ليست عذرًا لأن لا تكون لدينا رسالة نرجع إليها على الدوام، خصوصًا وقت الأزمات.

ماذا عنك أنت؟ ما هو الجبل الذي يجب ألا تنسى رؤيته؟ وهل أنت مداوم على قراءة رسالة ما تُذكّرك به؟

–انتهى–

اطلع أيضًا على مقال «إبدأ بكتابة رسالة إلى نفسك هكذا: أفكار+ مانيفستو الفنانة سارة العبدلي كمثال»

انضم إلى قائمة القرّاء الرهيبين حتى تصلك مقالات مثيرة من هذه الغرفة الصغيرة!

4 ردود على “هل تستطيع رؤية الجبل؟ ما تعلمته من مشاري الإبراهيم وأماني دغريري عن الرسالة والجبل”

  1. شكرا لكتاباتك الملهمة. شكرا لمشاركتنا أفكارك. شكرأ للشعور الصادق الذي يمسني كلما قرأت شيئا من حروفك ، وربما هذا هو أكثر ما ينيرها ، شاركينا المزيد 🙂

  2. صحيح وهذا المبدأ هو الذي يحقق ايماننا ويرسخ بقلوبنا اليقين
    تكرار الرسالة
    كنت أسأل نفسي دائما ما الغاية من تكرار لا إله إلا الله مثلا
    لماذا علي يوميا ان اكرر اذكار الصباح والمساء
    اللهم ما أصبح بي من نعمة او بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك
    تذكير يومي
    علينا فقط ان ننتبه للمعاني لا أن نقرأها وقلوبنا مغمضة
    مبدأ الرسالة المكررة هو مبدأ امرنا الله به فأكيد هو الاصح والأمثل
    ❤️❤️❤️

    في بداية ظهور برامج تطوير الذات قبل ٣٠ سنة
    كانو ينصحوننا بتعليق هذه التذكارات والكلمات أمامنا حتى نتذكرها
    الغريب أنه بعد يومين من تعليقها أنسى وجودها تماما تماما

    لنرجع في الآخر أن حث النفس على مبدأ القراءة والتكرار هو الأصح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *