كيف تعلم أطفالك البرمجة من خلال نزهة إلى البحر؟ قراءة في كتاب «كيف تبرمج قصرًا رمليًا» للمؤلف جوش فانك

عندما يحدثني أحدهم عن ال Coding، لا شعوريًا استرجع بعض الذكريات التعيسة أثناء دراستي مادتين في برمجة الحاسب الآلي في الجامعة، أقول تعيسة لأن الدروس كانت جدًا مملة وجامدة! كل ما علينا فعله هو “حفظ” بعض التعليمات وتطبيقها بإحدى لغات البرمجة لتؤدي مهمات معينة تمكنا من الحصول على علامات واجتياز المادة! أعلم أن هذه القصة التراجيدية هي قصة عاشها معظمنا أثناء الدراسة في الجامعة أو المدرسة بشكل عام.

لكن المفارقة أن البرمجة بالذات هي من أكثر الموضوعات التي يجب أن يكون تعلمها تفاعلي، قائم على التجربة والمحاولة والتحدي، والتحفيز الذهني، والابداع في حل المشكلات، ناهيك عن أهمية وجود سيناريوهات من الحياة الواقعية لا تعليمات أو مهمات عشوائية، كل هذه الأمور تخلق للمتعلم تجربة ممتعة.

لذلك كنت سعيدة جدًا عندما رأيت كتاب الأطفال «كيف تبرمج قصرًا رمليًا» أو «How to Code a Sandcastle» لأنه ببساطة يمثل المنهجية الصحيحة لتعليم البرمجة سواء للصغار أو حتى الكبار: تحفيز ذهني وإثارة، لا ملل وجمود! والمثير للاهتمام أن مؤلف الكتاب هو في الأساس مهندس برمجيات، يعمل في مجال التقنية منذ أكثر من ٢٠ عامًا، وفي أوقات فراغه يكتب قصص أطفال عن البرمجة، وقد تعاون في نشر هذا الكتاب مع منظمة «الفتيات اللاتي يبرمجن» أو «Girls Who Code» والتي تسعى لتقليص الفجوة ما بين النساء والرجال العاملين في مجال البرمجيات وتقنية المعلومات.

في هذا المقال، سأتحدث عن الكتاب من ناحيتين: القصة والمفاهيم، والرسومات

القصة والمفاهيم

تريد بيرل، بطلة القصة، أن تبني قصرًا من الرمل، وقد حاولت فعل ذلك طيلة الصيف لكنها تفشل في كل مرة لأسباب مختلفة، لذلك في آخر يوم في فصل الصيف تقرر أن تحضر معها صديقها باسكال، الرجل الآلي، ليساعدها في المهمة، ومن خلال مغامرة بناء القصر الرملي هذه، تبسط القصة أهم مفاهيم البرمجة، مثل مفهوم تكرار التعليمات (Loop)، ومفهوم التتابع (Sequence)، وخلق السيناريوهات المتعددة باستخدام (If Statement).

لكن هناك بُعد آخر للقصة عدا تعليم أساسيات البرمجة ألا وهو تعليم مهارة حل المشكلات وتحليل وتقييم العمل، ففي كل مرة تطلب فيها بيرل من صديقها باسكال أن يؤدي مهمة ما لكنه لا يتجاوب، تبدأ بالتفكير ومراجعة ما قالته محاوِلة بذلك اكتشاف موضع الخلل، ومن ثم تجرب مرة أخرى مع إجراء بعض التعديلات.

وفي الحقيقة “ملكة الدراما” التي بداخلي تعتقد أن هناك بُعد آخر أبعد وأعمق، وهو فكرة “مراجعة الذات” والاعتراف بالقصور الشخصي، استوقفني كثيرًا كيف أنه في كل مرة لا ينفذ باسكال تعليمات بيرل هي لا تغضب أو تلومه أو تعتقد أنه غبي! بل تفكر فيما إذا كانت المشكلة بدرت منها، مثل أن تكون تعليماتها غير واضحة أو غير منطقية، لا أعلم إن كان هذا البعد حاضرًا في ذهن المؤلف وهو يكتب القصة (لا اعتقد ذلك!) لكن أؤمن أنها فرصة لنقاش ثري مع الأطفال حول هذه المفاهيم.

برأيي أبدع المؤلف كثيرًا في بناء عقدة القصة، بشكل عام، القصة الجيدة تحتوي على مشكلة جيدة، لكن في هذا الكتاب توجد الكثير من المشكلات الصغيرة؛ المثيرة والمضحكة -بجانب المشكلة الأساسية وهي بناء القصر- التي تجعل القراء الصغار منخرطين ومتفاعلين من أول صفحة إلى آخر صفحة.

وفي نهاية الكتاب، يجد القارئ معجم بسيط عن أهم مصطلحات البرمجة التي تمت الإشارة إليها في القصة.

بالنسبة للنص فهو مباشر وواضح، وفي مواضع كثير يحاكي لغة البرمجة، مثلاً افعل كذا، ثم قم بكذا، لكن أكثر ما أحببته في النص هو الحس الفكاهي وهو ما يجعل قراءة القصة ماتعة أكثر.

الرسومات

الرسومات تبدو وكأنها مرسومة يدويًا، هناك حس عفوي في الرسم، النهايات والحدود ليست دقيقة، كل هذا يتماشى مع روح القصة بشكل رائع! فمن ناحية، هذا الأسلوب العفوي يساعد في إيصال تجربة التعلم والمحاولة والوقوع في الخطأ التي تخوضها بيرل مع صديقها باسكال، ومن ناحية أخرى هي أيضا تعكس أجواء الصيف والمرح واللعب على الشاطئ: الجو العام للقصة، آعتقد أن اختيار الرسامة سارا بالاكيوس لهذا الكتاب هو اختيار موفق جدًا.

اختيار نوع خط يحاكي خط البرمجة كان أمرًا ذكيًا أيضًا، ليس فقط لأنه يقرب القراء الصغار إلى عالم البرمجة أكثر، بل لأنه أيضًا يساعد في التفريق ما بين النص الراوي للقصة، وهو مكتوب بخط عادي، وبين تعليمات البرمجة المحددة والموجهة لباسكال الرجل الآلي لبناء القصر.

أخيرًا، الكتاب ليس فقط تعليمي، بل ممتع ويخلق فرص نقاش مع القراء الصغار على مستويات عدة، القصة مناسبة لعمر ٤ إلى ٨ سنوات، يمكنك الحصول عليه من أمازون.

–انتهى–

إن كنت مهتمًا بأدب الطفل، اطلع على المقالات الأخرى: «لماذا تؤلمنا المحبة؟»، «هل تُنقذ الكتب من الموت؟»، «لماذا يسير المهاجرون إلى المجهول؟»، «لماذا لا نزرع ملوخية على صلعة جدي؟»

انضم إلى قائمة القرّاء الرهيبين حتى تصلك مقالات مثيرة من هذه الغرفة الصغيرة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *