لماذا لا نزرع ملوخية على صلعة جدي؟

مرحبا! اسمي عنود وأنا أحب الملوخية..

لكن ما أحبه أكثر من الملوخية هي التساؤلات المجنونة٬ المُباغتة٬ العشوائية٬ خصوصًا تلك والتي برغم بساطتها تضعك في موقف محرج مع نفسك لأنها إما تذكرك بمدى جهلك أو تضطرك إلى مواجهة بعض مسلّماتك.

أن تكون شخصًا يمتلك عقلية تطرح هذا النوع من التساؤلات باستمرار يعني أنك تقوم بالكثير لتُخرج نفسك من أخدود البديهيات الذي يغتال فينا قدرة التساؤل عن الماهيات ويغمرنا في رتابة التساؤل عن الكيفيات. أحب أن أحيط نفسي بالأشخاص الذين يملكون هذه العقلية٬ لكني اكتشفت أنهم ليسوا المصدر الوحيد لهذا النوع من التساؤلات٬ هناك مصدر أخر يكاد لا يخطر على بال الكثير منا٬ ألا وهو كتب الأطفال!

لم أكن يومًا مهتمة بكتب الأطفال، لكن تغير ذلك جذريًا بعدما قابلت إلياسا شاباز، ابنة مالكوم إكس، في أحد الفعاليات الثقافية بواشنطن في ٢٠١٥، في ذلك اليوم كانت إلياسا توقع كتابها Malcolm Little وهو قصة للأطفال تحكي فيها عن والدها كطفل محب للاستكشاف والتعرف على العالم من حوله، الصراحة لم أكترث لاقتناء الكتاب لكني اشتريته فقط لكي أحظى بفرصة التحدث معها.

Talk-Facebook-Ilyasah-Shabazz
إلياسا شاباز

عندما عدت إلى المنزل وبدأت في قراءته، تفاجأت كثيرًا! تفاجأت من قدرة كتاب أطفال على جعلي أنا صاحبة ال٢٥ سنة (آنذاك) انخرط مشاعريًا وفكريًا مع قصة كُتبت لمن هم في عمر ٩ -١١ سنة! ادركت حينها أن كتب الأطفال عالم آخر خصب جدًا. 

أتساءل هل فعلاً كتب الأطفال كُتبت للأطفال؟ 

أجد أن الكثير من هذه الكتب قادرة على زرع تساؤلات عميقة في وجداننا، أو إحياء فضول قد وافته المنية منذ زمن، أو حتى جعلنا نكتشف مشاعر لم يسبق لنا التعامل معها، بشكل يفوق وقع العديد من كتب الكبار، لدرجة تجعلني أتساءل دائمًا: هل حقًا كُتبَ هذا الكتاب للأطفال؟ يقول موريس سينداك، أحد أشهر مؤلفي ومُصوري كتب الأطفال، في إحدى مقابلاته: «أنا لا أكتب للأطفال، أنا أكتب، وشخصًا ما يقول أن ما أكتبه موجه للأطفال!»، في الحقيقة، الكثير من مؤلفي قصص الأطفال يؤمنون بأنهم يكتبون للطفل «الأبدي» الموجود بداخل كل شخص كبير.

64389_orig
أحد أعمال الفنان الأوكراني ألكساندر ميلوف، التمثال منصوب في صحراء نيفادا بأمريكا

لكن لماذا نحتاج أن نبقي هذا الطفل الذي بداخلنا حيًا؟

تقول المؤلفة وخبيرة تعليم التفكير الفلسفي، داليا التونسي، “حين يسأل الطفل فإن سؤاله في الغالب يكون بدائيًا، والأسئلة البدائية هي في طبيعتها خالية من التحيز والافتراضات المسبقة وتراكمات ما قبل السؤال، هي أسئلة خام لذلك فطبيعتها تحمل عنصرًا وجوديًا”، وتضيف “عوالم الكبار هي عوالم البديهي والمعتاد، عوالم أفسدتها معطيات الحواس والبحث عن جدوى الأشياء وعن كيفيتها بدلاً من السؤال الجوهري الغائي عن طبيعتها”.     

ككبار قراءتنا لكتب/قصص الأطفال فرصة ممتازة لإستعادة هذا الطفل الأبدي المفقود، كيف لا وهي تطرح تساؤلات وأفكار مثيرة (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) مثل: 

  • هل اللاشيء شيء؟
  • أين تنهي السماء؟ 
  • هل الإنسان شنطة سفر؟ 
  • كيف يستطيع المربع أن يتحرر من زواياه؟
  • هل الرياح صوت الملائكة؟
  • لماذا كل شيء في العالم منقّط؟ 
  • ما هو لون الحب؟
  • ماذا يحدث في العالم عندما أكون نائمًا؟ 
  • لماذا أحارب الخوف وهو الذي يحميني؟ 

أو، المفضلة لدي على الإطلاق:

لماذا لا نزع ملوخية على رأس جدي؟!

عدا غزارة التساؤلات والأفكار المثيرة، هناك أمور أخرى تجعل قراءة هذه الكتب تجربة ممتعة للكبار، مثل: 

اللغة العبقرية: أظن أكثر ما يميز كتب الأطفال هي قدرة مؤلفيها على ايصال مفاهيم ومشاعر معقدة بكلمات بسيطة وقليلة، أعني الكثير منا يستطيع أن يشرح مفهوم أو شعور معين في صفحتين أو ثلاثة، لكن أن تستطيع أن تفعل ذلك في ٤، ٥ كلمات فقط، أجد أن هذه عبقرية أخّاذة! واللغة في كتب الأطفال لا تقتصر على النص بل تمتد إلى الرسومات المصاحبة والتي هي جزء من اللغة لا مجرد عاكسة أو ناقلة لها، يتفاعل النص والرسومات وكأن هناك حوارًا خفي يدور يبنهما، ومجرد مراقبة هذا الحوار تجلب الكثير من المتعة والدهشة.

الفكاهة المُباغتة: لا أستطيع أن أحصي عدد المرات التي كنت أقرأ فيها كتاب أطفال سواء في معارض الكتاب أو المكتبات وفجأة أبدء بالقهقهة لوحدي! حس الفكاهة في كتب الأطفال عجيب فهو يأتي من أفكار بسيطة لكنها غير متوقعة، لذلك اتفهم تمامًا ماذا فعل كتاب The Wonky Donky بهذه الجدة الاسكتلندية في هذا الفيديو

Screen Shot 2019-04-11 at 9.23.42 AM

أخيرًا، سأعترف أني أميل إلى الاعتقاد بأن الكبار الذين لا يقرؤن كتب أطفال يفوتهم الكثير، وحرصًا مني على ألا يفوتك الكثير من هذا العالم الجميل عزيزي القارئ، سأبدأ في تدوين قراءات في كتب الأطفال المفضلة لدي، فلربما يحفزنا ذلك على بعث الأطفال الأبديين الراقدين بدواخلنا. 

—انتهى—

المصادر

(١) مقابلة ستيفن كولبيرت مع موريس سينداك ٢٠١٢

(٢) حوار صحفي مع أ.داليا التونسي على جريدة الرياض، ١٤٣٨ هجرية – ٢٠١٧ ميلادي

انضم إلى قائمة القرّاء الرهيبين حتى تصلك مقالات مثيرة من هذه الغرفة الصغيرة!

11 ردّ على “لماذا لا نزرع ملوخية على صلعة جدي؟”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *