مالذي تعلمته من مُجالسة صديقي السلطعون

تخيل أنك في أحد الأيام تكتشف أن هنالك شخصًا غريبًا يسكن معك في بيتك الذي عشت به طيلة حياتك، لكنك لم تنتبه لوجوده من قبل!

كان هذا شعوري عندما شاهدت مؤخراً سلطعونًا يتنزه على شواطئ جدة التي اعتدت على ارتيادها! دهشت عندما رأيته ولا أعلم إن كان ذلك يعود إلى الافتتان بجماله، أم لصدمتي أنني لم أنتبه لوجوده من قبل! لكن ما أعلمه يقينًا أن لحظات الدهشة تكمن فيها أبواب سحرية إلى الحياة.

يقول آينشتاين «إن الذي تنقصه القدرة على التعجب٬ والذي لا يتأثر٬ ولا يملك القدرة على التأمل٬ أو لم يعرف ارتجافة الروح العميقة وقت الافتتان. ربما يمكنه أن يكون ميتًا كذلك لأنه قد أغلق عينيه بالفعل عن الحياة» (١)

إن كنت تريد دعوة لحظات الدهشة إليك لتعبر من خلالها إلى حياةٍ مختلفة٬ فإليك ٣ أمور تعلمتها من مُجالسة صديقي السلطعون قد تفيدك في تحقيق ذلك.

١) المشي على الأرض هونًا

هل رأيت من قبل كيف يمشي السلطعون؟ يمشي بكل هدوء و”روقان”٬ تعجبني مشيته وربما تثير عندي الغبطة٬ فأنا أيضًا أريد أن أمارس الهدوء والبطء في هذا العالم الذي شوهه “مرض السرعة” كما أسماه جيمس غيليك٬ في فترة من حياتي كانوا زملائي في العمل يدعونني Roadrunner؛ الشخصية الكرتونية المشهورة بسرعتها٬ وذلك لأنني كنت حرفيًا أركض في كل شيء أقوم به! في أداء مهام العمل٬ في الحديث٬ في الأكل٬ وكأن حياتي كلها سباق ركض٬ حتى أن مديري السابق قال لي مرة بكل جدية “عنود لازم تشاركي في ماراثون وأوعدك أنا أول واحد حيدعمك”.

free-vector-roadrunner_053395_roadrunner
Roadrunner

الأمر طريف! لكني عندما أتأمله الآن أجده محزن بعض الشيء٬ أشعر أن نمط الحياة السريع الذي نعيشه يسرق منا حياتنا٬ يحرمنا من عيش اللحظة والاستمتاع بتفاصيل الحياة٬ بل ويفقدنا التركيز على ماهو مهم٬ ناهيك عن أن هذا النمط يورث فينا الأمراض نتيجة الضغط النفسي المستمر. لذلك يذكرني السلطعون – أو سِيدي الرايق كما أدعوه – أن أبطئ٬ أتأمل ماحولي٬ لكي أرى مالا يُرى.

 

٢) الركوز عند مواجهة الموج 

من سوء حظ السلطعون أنه يعيش على أحجار الشاطئ: مكان الموج المفضل لممارسة الجمباز! السلطعون والموج يذكراني بالأخوين اللذين يتشاجران دائمًا٬ فكلما أراد السلطعون أن يخطو خطوة، قفز الموج من فوقه ليعيقه٬ لكن السلطعون مع كل هجمة من الموج٬ يثبت في مكانه وكأنه يحاول أن يفهم مالذي يجري من حوله قبل أن يتخذ أي خطوة٬ أرى في ركوز السلطعون هذا الكثير من الحكمة؛ لأنه عكسنا في الكثير من الأحيان لا ينجرف مع الشدائد أو يقع بسببها، بل يثبت مكانه حتى يرى جميع الممكنات٬ وعند تكشّف الممكنات تكمن فرصة لعيش الدهشة لأننا في اللحظة التي نعتقد أن جميع الأبواب موصدة، نفاجئ أن هنالك أبواب أخرى مفتوحة فقط إن رَكِزْنا.

٣) السير بعكس الاتجاه السائد

من المعروف أن السلطعون يمشي في جهتين: اليمين واليسار٬ بعكس معظم الكائنات الحية الأخرى التي تسير عادة نحو الأمام٬ وبذلك يكون للسلطعون طريقته الخاصة في التنقل٬ أن يكون لك طريقتك الخاصة في الحياة، يعني أن ترى الأمور بشكل مختلف يجلب لك الدهشة٬ أجزم أنه في كل مرة اتخذت فيها مسارًا في الحياة مختلف عما هو سائد٬ أدهش بالنتائج! مثلاً في ٢٠١٥ كانت لدي منحة لدراسة الماجستير في امريكا٬ رغبت في دراسة تخصص معين إلا أن الجهة المانحة أبت إلا وأن أدرس التسويق٬ لم تجدِ أي مفاوضات معهم٬ كان علي أن أختار٬ فوضعت جدولًا كالتالي:

Screen Shot 2018-12-03 at 8.51.24 AM

بالرغم من أن ٩٩٪ ممن حولي اعتقدوا أنه يجدر بي قبول المنحة، إلا أنني رفضت٬ ليس اعتباطًا أو لمجرد مخالفة السائد لكن لأني اتبعت ذلك الصوت بداخلي والذي عادة لا نستطيع سماعه لأننا نخاف أن نسير بعكس الاتجاه السائد. الحمدلله كان هذا واحد من أفضل قرارات حياتي ففي تلك اللحظة التي أقفل فيها باب المنحة فُتح لي باب عمل عظيم! تمكنت من خلاله أن أعمل على مشاريع كبيرة مع وزراء وخبراء دوليين تعلمت منهم مالا تستطيع محاضَرة جامعية تعليمي إياه.

الهدوء والركوز وعدم الخوف من مخالفة السائد إن كان الصوت الداخلي يهتف بذلك هي ٣ دروس استوعبتها أثناء مراقبتي للسلطعون كل صباح٬ أنا ممتنة لهذا الكائن الجميل وللحظة التي اصبحت فيها صديقته.

—انتهى—

 

المصادر

(١) مقتبس من كتاب «حلّق» لأريانا هافنقتون

 

 

 

 

ردّين على “مالذي تعلمته من مُجالسة صديقي السلطعون”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *